علم اللغة الوصفي (زبانشناسى همزمانى)

 

علم اللغة الوصفي (زبانشناسى همزمانى)

 

 

 بقلم الاستاذ خالد التميمي

 

بعد أن شهد القرن التاسع عشر ميلاد منهجي الدراسات التاريخية المقارنة جراء التخبط المتلاحق في ما ذهب إليه أصحاب المنهج من آراء لغوية رفضها العديد ممن شهدوا نهاية هذا القرن وبداية القرن العشرين،. لكونها دراسة لاقتفاء أثر التطورات والتغيرات في جوانبها الفونولوجية، والنحوية، والقاموسية، والدلالية، في حين أن ثلة من هؤلاء اللغويين رأوا أن اللغة لا يمكن دراسة تطورها في كل هذه الجوانب دون دراستها دراسة وصفية، حيث إن الدراسة التاريخية لا يمكن القول بدقتها علمياً إلا إذا استندت إلى المعايير الوصفية.

  وقد شهد ميلاد القرن العشرين نهوضاً سريعاً ومتلاحقاً للدراسات اللغوية، حيث كان ميلاد المدرسة الوصفية على يد رائدها السويسري الفرنسي (فرديناند دى سوسير Ferdinand de Saussure) في مواجهة المنهج التاريخي وأصحابه آنذاك، حتى كانت ولا تزال له السيادة حتى اليوم. وفي رأي صاحبه ومن بعده الوصفيون في أوربا وأمريكا أن أية لغة يجب أن ترى وتوصف تزامنياً بوصفها نظاماً من العناصر المترابطة، أي العناصر المعجمية والقواعدية، والفونولوجية، وتلك المقاربة البنائية في دراسة اللغة تشكل الأساس الفعلي لمجمل الدرس اللغوي الحديث.       

   وفي رأي (دي سوسير  de Saussure) أن دراسة اللغة على أسس المنهج الوصفي تشكل صعوبة من وجهة نظر المنهج التاريخي، فدراسة الحقائق التطورية تتبع سلسلة من التغيرات يمكن دراستها بسهولة مع بعض.  لكن علم اللغة الذي يكشف عن القيم والعلاقات المترافقة يواجه صعوبات كثيرة جداً. والتطبيق اللغوي على مستو لغوي محدد في مرحلة زمنية تكون قد تعرضت خلالها إلى مجموعة من التعديلات، إذ من الممكن أن لا يحصل إلا تغيير طفيف طوال مرحلة طويلة، ثم تخضع لتحولات جذرية خلال سنوات قليلة. وكانت دعوة هذا اللغوي لاستقلال علم اللغة الوصفي بعيداً عما درج عليه علم اللغة التاريخي بمثابة بوابة فتحت على مصراعيها لظهور مدرسة (براغ Brag) في العقد الثالث من القرن العشرين لتطبيق نظرية خاصة بتطوير مفهوم الوحدة الصوتية، أو ما يسمى بالفونيم (واج phoneme)، أو حيث رأى علماء هذه المدرسة وعلى رأسهم (جاكوبسن Jackobson) أن التحليل الفونولوجي ( تحليل واجى phonological analysis) هو الأساس الذي يقود الدارس إلى تحليل الوحدات اللغوية في صورة مجموعة من الملامح المميزة، وذلك أساس التحليل المركزي للقواعد التحويلية التوليدية (دستور زبان زايا گشتارى transformational grammar  (generative ثم كانت المدرسة البلومفيلدية (تئورىبلومفيلد Bloomfield  theory) التي ظهرت في الولايات المتحدة الأمريكية في العقد الرابع، وبقيت تسيطر على الدراسات اللغوية الحديثة حتى باتت

 

تعرف هذه الفترة على مدار عقدين وأكثر بعهد بلومفيلد (1887-1949)، ذلك اللغوي الذي وصف تركيب الجملة وصفًا تنازليًا بناءً على نظريته (تحليل المكونات المباشرة immediate constituents analysis) التي تتصل فيه المورفيمات بعضها مع بعض في شكل شجرة تمثل الترتيب الصاعد. لكن هذه النظرية التي كتب لها النجاح آنذاك، ولا تزال كمنهج للدراسات النحوية الوصفية في معظم المراكز العلمية في جميع أنحاء العالم، قد ظهر ما يعكر صفو أصحابها مع ظهور كتاب ناعوم تشومسكى Chomsky (التراكيب النحوية syntactic structures) عام 1957م الذي جاءت مناقضًا لبعض المبادئ التي أرساها سابقه بلومفيلد. والحقيقة أن  تشومسكي رغم ما جاء به هو خلاصة لما ذكره لغويون وصفيون معروفون في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، أمثال دي سوسير، وسابيير Sapir وهو لغوي وصفي أمريكي بارز في تصنيف النظم اللغوية على أساس البنية اللغوية، وتروبتسكوى، وجاكوبسون، إلا أنه أحدث ثورة بين اللغويين المعاصرين، حيث استطاع أن يجمع ما فرق بين هؤلاء السابقين، ووفق بين آرائهم جميعاً. وبالتالي دحض العديد من المبادئ التي أرساها بلومفيلد، ولا تزال آراؤه متفردة بالساحة اللغوية حتى وقتنا هذا.   

  والواقع أن مجمل علم اللغة الحديث  (زبانشناسى linguistics) يبحث في جميع جوانب اللغة الصوتية والصرفية والنحوية والمفرداتية والدلالية والاجتماعية والمعجمية والتطبيقية. وينقسم هذا العلم إلى فرعين رئيسيين، أو إن شئنا علمين رئيسيين، على النحو التالي:

1- علم اللغة النظري (زبانشناسى نظرى theoretical linguistics) الذي يتناول دراسة الأصوات من جانبها النطقي وانتقالها وإدراكها، ومن ثم ينقسم إلى الفروع التالية:

– علم الأصوات النطقي (آواشناسى توليدى Articulatory phonetics) الذي يعني بوصف مخارج الأصوات، ووصف جهاز النطق.

– علم الأصوات الفيزيائي (آواشناسى Acoustic phonetics) الذي يعنى بحركة مصدر الصوت وتردده وسعة الذبذبة والموجة الصوتية والرنين.

– علم الأصوات السمعي (آواشناسى شنيدارى Auditory phonetics) الذي يتناول نشاط جهاز السمع، وآلية تلقي الصوت عن طريق الأذن.

– علم الفونيمات أو علم الأصوات الوظيفي (واجشناسىphonology ) الذي يتناول الفروق الوظيفية بين الأصوات، بمعنى أن هذا العلم يدرس فونيمات اللغة بعد كشفها، ويحدد ألوفونات كل فونيم، وتوزيع كل ألوفون.

– علم اللغة التاريخي (زبانشناسى درزمانى historical linguistics).

– علم الدلالة (معنا شناسى semantic).

– علم القواعد الذي يشمل علم الصرف وعلم النحو (دستور grammar).

2- علم اللغة التطبيقي (زبانشناسى كاربردى applied linguistics). الذي يعد أحدث فروع علم اللغة الحديث. ويدرس هذا العلم صناعة المعاجم، وعلم اللغة الآلي، وعلم اللغة النفسي، وعلم اللغة الاجتماعي، وتعليم اللغات والتقابل اللغوي، وتحليل الأخطاء.