أسواق المال العالمية

أسواق المال العالمية :

 

 

تُعد التطورات التي شهدتها الأسواق المالية الدولية الرئيسة الناضجة (The International Mature Financial Markets)  من أكثر التغيرات تأثيـراً فـي

النظام المالي والنقدي الدولي ، وقد تجلت تلك التغيرات في حجم التدفقات المالية الدولية التي لم يسبق لها مثيل من قبل ، والتي هي بمثابة ثورة حقيقية في تلك التدفقات التي إنتهجت تغيرات جذرية في مصادر التمويل المحلي والدولي على حد سواء ، إذ تحولت هذه السوق بفعل هذه التغيرات إلى مظاهرة استثمارية وتضاربية يسودها فيض واسع الانتشار من تلك التدفقات ، ويصاحبه اشتداد حدة المنافسة بين المتعاملين فيها ، وأنتج ذلك نمواً كبيراً في إجمالي الاستثمارات المحفظية التي تتم من خلال الحدود وإضفاء الصبغة العالمية للأسواق المالية وتعاظم درجة اندماجه.

       وقد شهدت هذه الأسواق منذ نهاية الستينيات ومطلع السبعينيات من القرن الماضي تطورات جديدة تتمثل بالتالي:-

1 . إعادة تشكيل القطاع المالي والمصرفي وخصوصاً مؤسساته (Derezalation) ، ونشأة عدد كبير من المراكز المالية الدولية خارج أوربا وأمريكا التي تلعب دور الوسيط مستفيدة من فروق التوقيت الزمني بين أجزاء السوق الدولية .

2 . إحلال إصدار صكوك الدين القابلة للتداول محل القروض التقليدية الصادرة بمناسبة عمليات الإنتاج .

3 . دخول أسواق النقد والمال الدولية في سوق واحدة واكتسابها بذلك الطابع العالمي حيث تتحقق عالمية الاستثمارات والاقتراض والتنظيم والأدوات .

        إلا أن أخطر ما يجري في عملية إعادة الهيكلة للأسواق هو ما يمس آلياتها ، إذ يتم التحول من عقلية المصارف التجارية المشَكلة على أساس مخاطر الإئتمان فقط إلى عقلية مصارف الاستثمار المشَكلة على أساس مخاطر السوق،وتصبح الآليات الأساسية هي آلية القروض أو الدين ، ويتم التحول من القرض للإنتاج إلى القرض أو للمزيد من القروض ، وتؤدي تغيرات وتقلبات أسعار الفائدة والصرف دوراً بالغ الفعالية ، وتبرز المضاربة بوصفها نشاطاً جوهرياً لرأس المال لا يتحرك بهدف التصحيح كما كان في البداية الأولى للمضاربة ، وإنما بهدف الكسب والمزيد من الكسب لرأس المال

ومنذ بداية الثمانينيات من القرن الماضي شهدت أسواق التمويل الدولية ثورة حقيقية أنتجت تغيرات جذرية في وسائل وأدوات انتقال الأموال من الوحدات المالية ذات الفائض إلى الوحدات الباحثة عن التمويل ، وقد تحولت هذه الأسواق بفعل هذه التغيرات إلى ذروة تسودها حركة متطورة لا تعرف الهدوء ، حتى أصبح من الصعب وسط أجواء التكوين والتجديد المستمرين وصف أي أداة من الأدوات الجديدة للتمويل بأنها الأحدث أو أنها آخر ما ابتكرته الهندسة المالية ، فكل يوم يحمل معه أداة جديدة تسوق وتروج لها مؤسسة مالية أو مصرفية ، وقد دعم هذا الإتجاه التحول نحو عالمية الأسواق المالية خاصة بعد إقرار التوجه العالمي (في نطاق إتفاقية الجات (GATT لتحرير تجارة الخدمات المالية والمصرفية وإزالة كافة القيود التي تحول دون تدفق رؤوس الأموال وتعوق حرية المؤسسات المالية والمصرفية في ممارسة أنشطتها والترويج لخدماتها ، والنتيجة الطبيعية هي نشأة أسواق جديدة ليس لها تواجد طبيعي كما هو الحال بالنسبة للبورصات التقليدية ، وإنما تجمعها شبكات الكومبيوتر المتصلة ببعضها والتي توفر المعلومات عن الأدوات المالية الجديدة التي تتعامل فيها تلك الأسواق مما يساهم بشكل فاعل في زيادة سرعة حركة التعامل ، ويساعد على الابتكار خاصة عند إشتداد المنافسة العالمية بين المؤسسات المالية المصرفية وغير المصرفية في إطار يعتمد على خفض كل من التكاليف والمخاطر وتحقيق هوامش أرباح مرتفعة.

        إن استراتيجية التحرر المالي (Liberalization) ورفع القيود أو تخفيضها من أبرز عمليات إعادة هيكلة القطاع المالي التي أسهمت بشكل فاعل في زيادة حرية حركة رؤوس الأموال وبكلف منخفضة بين دول العالم، وقد استعملت هذه الاستراتيجية في الدول المتقدمة كي تدعم الإتجاه العالمي نحو تدويل الأسواق المالية إلى جانب التجارة والاستثمار الدوليين ، وكان للاستثمار الأجنبي المباشر (FDI) أثر كبير في طبيعة عمل الأسواق المالية من خلال زيادة الاستثمار في المحافظ المالية الذي أدى إلى زيادة نشاط الأسواق المالية وحثها نحو التوجه نحو الانفتاح الدولي أكثر من قبل ، وقاد ذلك إلى زيادة التقارب بين تلك الأسواق ومحاولة الاندماج فيما بينها.