حادثة المناخور

حادثة المناخور

من أشهر الحوادث التي مرت على كربلاء بعد حادثة الوهابيين وعرفت بحادثة المناخور(1). وذلك في عهد الوالي داود باشا عام 1241 هـ / 1825 م واستمر حصارها حتى عام 1244 هـ / 1828 م . وسببها هو أن الوالي داود باشا لما شاهد ضعف الدولة العثمانية واستقلال كثير من الولاة بولايتهم أمثال محمد علي باشا في مصر واستقلال علي باشا ذلتلي تبه في ألبانيا ، طمع هذا الوالي باستقلاله في العراق فأخذ يشيد البنايات والتكايا والجوامع ، ويقرب العلماء ويبالغ في اكرامهم . وقد نظم هذا جيشاً كبيراً مزوداً بأسلحة حديثة ، وقد بايعته أغلب مدن العراق عندما حاول الاستقلال عدا كربلاء والحلة ، فقد رفعتا راية العصيان ضده ، وحاول اقناعها فلم يستطع . وعند ذلك جهز جيشاً ضخماً بقيادة أمير اصطبله واخضع الحلة واستباح حماها وتوجه إلى كربلاء وحاصرها ثمانية أشهر . ولم يقو على افتتاحها وكر عليها ثانية وثالثة فلم يستطـع فتحهـا إلا بعد حصـار طالت مدته أربع سنـوات ( 1241 ـ 1245 هـ ) وكانت نتيجتها أن أسر نقيب كربلاء ( السيد حسين بن مرتضى آل دراج ) وأرسل إلى بغداد حيث سجنه داود باشا هناك.

وكان السيد حسين النقيب قد عين رئيساً للإداريين وابن عمه السيد سلطان آل ثابت رئيساً للمسلحين . ومن جهة أخرى كان السيد عبد الوهاب السيد محمد علي آل طعمة سادناً للروضتين الحسينية والعباسية وحاكماً لكربلاء ، وكان هذا يساء الحكومة في مناوئة أهل البلد ، لأن الثورة كانت مبنية على الفساد ، فهو في عمله هذا حافظ على المدينة ، إلا أن الحكومة كانت تنوي الشر ضد الأهلين ، وكانت عشيرته تسانده . غير أن جماعة النقيب السيد حسين آل دراج ثاروا ضد السلطة المحلية ، فاضطر السيد عبد الوهاب إلى مغادرة كربلاء في واقعة المناخور سنة 1241 هـ وعاد إليها بعد أن أخمدت نار الفتنة.

ذكر النسابة الشيخ حمود الساعدي : في سنة 1244 هجرية حوصر أهل بلد الحسين حاصرهم سليمان بعسكره وقطع نخيلهم وأغار مياههم تسعة أشهر وقتل منهم قتلة عظيمة من الجانبين حتى آل أمرهم إلى أن أكلوا حب القطب ولم يسلموا وكانوا يخرجون الى العسكر فيقاتلون الى ان ضايقهم (صفوق) شيخ شمر وتوجهوا عليه بعدما أعطى الأمان والقرآن لنقيب الاشراف فخرج هو وأصحابه 25 فأمروا بقتلهم عن أخرهم دفعة ثم أمروا بحبس النقيب وكان جليلاً نبيلاً شهماً من الاشراف وحمل إلى داود وأطالوا حبسه في بلدة بغداد(2).

وجاء في كتاب ( تاريخ العراق الحديث ) ما نحن بصدده : ولقد حاصرت قوات داود باشا كربلاء في السنوات الأخيرة من حكمه زهاء أحد عشر شهراً دون أن ينال من وراء ذلك سوى وعد بدفع الضرائب السنوية المربوطة عليها . وكذلك أراد علي باشا ان يؤكد سيادته على كربلاء ولجأ إلى الحيلة دون القوة وتظاهر بأنه يود أن يؤدي الزيارة لقبر الحسين ولكن أهل المدينة رفضوا أن يسمحوا له بذلك . وفضل علي رضا أن يكتفي باسناد حكم المدينة إلى سيد وهاب وهو من إحدى الاسرات الكبيرة في المدينة التي ظلت مدة حكم علي رضا في العراق شبه مستقلة . ولكن تحت سيطرة  جماعة مسلحة أطلق عليها اسم يارمز . وكانت هذه الجماعة تحتوي على عدد من الخارجين على القانون واللصوص والفارين من وجه باشوات العراق . وكانت احدى فرق هذه الجماعة تدعى (الغارتية) من (غارة) تفرض الاتاوات على الحجاج . وكان أشهر زعيم لهم في 1248 هـ هو السيد ابراهيم الزعفراني وهو من أصل مختلط أيراني عربي ، وكان يليه في النفوذ إيرانيان لهما عدد كبير من الاتباع الفرس . ونظراً لانقسام (اليارمز) الى فرق كان ينشب فيما بينها صراع دموي شديد ، كان يعاني منه شعب كربلاء المسالم أشد أنواع الخسائر المادية والارهاق العصبي . وفي خضم هذه الفوضى تفوق زعماء أليا رمز على هيبة كبار علماء الشيعة في المدينة وكان لهم النفوذ الأكبر من قبل ، ولكن وجد العلماء في انقسام أليارمز إلى طوائف فرصة لكسب أعوان لهم من بينهم فكان أن انشطر أليارمز إلى شطرين : أحدهما مع الزعيم الديني الشهير كاظم الرشتي ، والآخر مع زعيم ديني آخر يدعى سيد ابراهيم القزويني (3).

————————————————————-

(1)   كلمة فارسية مخففة عن ( ميرأخور ) يراد بها أمير الاصطبل أو رئيس الخيلية.

(2)   عن مجموعة خطية للشيخ حمود الساعدي وقد نقلها من كتاب للأدعية مدون فيه فوائد تاريخية تعود إلى اسرة آل العذاري الحليين 14 / 4/1952.

 

(3)   تاريخ العراق الحديث ـ الدكتور عبد العزيز سليمان نوار ( دار الكاتب العربي للطباعة والنشر بالقاهرة 1388 هـ ـ 1968 م ـ ص 88 و 89.