القنطرة البيضاء في كربلاء معلما اثريا يحكي عن تاريخ مضى

القنطرة البيضاء في كربلاء معلما اثريا يحكي عن تاريخ مضى


تزخر مدينة كربلاء المقدسة بالعديد من الأماكن الأثرية القديمة التي تمثل تاريخ المدينة وللناس ارتباط وثيق بهذه المعالم ولكل حجر من حجارتها حكاية طويلة يرويها لك من عايشوها عبر مراحل حياتهم أو سمعوها ممن سبقوهم من الآباء والأجداد، ومن هذه المعالم القنطرة البيضاء التي كانت ولازالت تروي تاريخ مدينة عانت كثيرا من الويلات تحت سياط الطغاة وان كل زاوية في هذه القنطرة يحكي ألف قصة وقصة وهي الآن اثر صامد عبر الزمن يحكي لنا تاريخ مضى

والقنطرة البيضاء..شهدت على مدى أكثر من 450 عاما أحداثا تاريخية مازال يذكرها المؤرخون.. إعتبرها الأهالي من المباني الأثرية.. تم ترميمها أكثر من مرة، كان آخرها قبل أكثر من 150 عاما قبل أن يتم ترميمها فى العصر الحالي.

مكان القنطرة الحالي بناه سليمان القانوني ولاصلة تربط القنطرة المذكورة بما قبل الاسلام او صدر الاسلام

يقول المؤرخ والنسابة (مهنا رباط المطيري) ” بعد فتح نهر الحسينية بامر من سليمان القانوني في عام 941 هـ بدأت بناء عدة قناطر ومن بينها القنطرة البضاء على ذلك النهر من اجل تسهيل المرور بين ضفتي النهر مبينا انه لاصلة تربط القنطر ة المذكورة بما قبل الاسلام او صدر الاسلام بل ان تاريخها يعود الى القرن العاشر الهجري

ويؤكد (المطيري) ان لاتوجد أي صفة قدسية لهذه القنطرة اما ما يروى بمرور الامام علي بن ابي طالب (عليه السلام) عليها او حتى من هذا المكان فلا صحة لذلك معللا ان مرور الامام علي بن ابي طالب بمعسكره كان عن طريق (خان النخيلة) المنطقة الحالية التي تسمى خان الربع وعن طريق قنطرة تسمى (سورى) و عبر منها الى الضفة اليسرى ثم صلى ركعتين في منطقة خان الربع متجها صوب كربلاء الحالية من جوار مقام الامام صاحب الزمان ثم اتجه شمال غرب المدينة باتجاه منطقة الحر الحالية “نافيا” ان يكون مسير الامام امير المؤمنين من طريق القنطرة التي لم تكن موجودة اصلا في ذلك الزمان

في حين يؤكد بعض الباحثين الاخرين ان القنطرة تقع على نهر الحسينية في المقاطعة 47 الفراشية ونهرالحسينية هو النهر الوحيد الذي يتفرع من نهر الفرات من يمين سدة الهندية في محافظة بابل (30كم شمال كربلاء)، وهو الذي يغذي بساتين وأهالي كربلاء وان هذا النهر شق بأمر السلطان العثماني سليمان القانوني أثناء زيارته إلى مدينة كربلاء عام 1550ميلادية، وحفر النهر بناء على مناشدة من أهالي كربلاء وسادن الروضة الحسينية في وقتها عبد المؤمن الدده “. 

وان وجود الاثر المقدس جنبها يعود لمقام ومكان صلاة الإمام علي (ع) عند مروره بكربلاء عام 37هـ أثناء توجهه إلى معركة صفين

القنطرة البيضاء بنيت في الفترة العثمانية

فيما يؤكد منقّب الآثار حسين ياسر خليل، رئيس لجنة صيانة القنطرة البيضاء “إن الشكل العام للقنطرة البيضاء يشابه باقي القناطر التي بنيت في الفترة العثمانية فهي تتكون من عقد مدبب واحد تحيط به 4 منارات, اثنان في كل جانب وهناك المدرجات التي تمتد على جوانب القنطرة وتحيط بها الجدران الساندة لبدن القنطرة وتتميز بضخامتها حيث تكون قياساتها من الأسفل أكثر من متر وتنتهي من الأعلى بقياس 45سم تقريبا.

الطول الحالي للقنطرة 46م وقياستها على الشكل التالي: تبدأ بالمدرج من جهة الشارع العام ويكون بعرض 11 م ثم يأخذ بالتدرج ليصل إلى 5 م في أعلى نهاية القنطرة ثم يعود إلى التوسع في الجانب الثاني من القنطرة, وقياسات الجدران الساندة للقنطرة بواقع متر واحد عرضا في أساس الجدران لتتمكن من تحمل ثقل الجدار ثم تنتهي بقياس50- 45 سم في أعلى الجدار.

تتكون القنطرة من عقد مدبب يكون بعرض5,90 سم من الأسفل تحيط بنهاية القوس منارة من كل جهة ملاصقة له ليصبح بالتالي عدد المنارات 4 تبدأ من أسفل البناء وتكون على شكل ثماني ملاصقة لنهاية القوس وتكون بطول 6م لنهاية الشكل الثماني وهي موازية لمدرج القنطرة. ثم تبدأ المنارة تأخذ شكلها الاسطواني وتكون قياساتها للأعلى بارتفاع 3م تنتهي بشكل مخروطي مفصص بواقع 13 جزء محدب الشكل يعطي لأعلى المنارة شكلا رائعا ومسرا للنظر وقطر المنارة 1,08م ومحيطها 3,43م. 

مراحل متعددة لصيانة القنطرة البيضاء جرت من قبل الهيئة العامة للآثار والتراث

ويقول (ياسر) عن خلفية انطلاق اعمال الصيانة في القنطرة البيضاء منذ اكثر من عامين وحسب الامر الصادر من الهيئة العامة للآثار والتراث والخاص بتشكيل لجنة لصيانة القنطرة البيضاء, باشرت اللجنة اعمالها للمرحلة الثانية من صيانة القنطرة وحسب جدول الكميات المعد من دائرة الهندسة والصيانة في الهيئة العامة للآثار والتراث حيث كانت المرحلة الاولى في عام 2006 بدات بتنظيف القنطرة وماحولها من التراكمات والاجزاء المنهارة من الجسم وتم استظهار الأسس الاصلية ومن ثم البدء باعمال البناء بنفس المواد السابقه وهي الفرشي قياس 25×25×5 سم وكذلك استخدام مادة الجص الفني حيث تم اكمال الجدران الساندة الى ارتفاع 1,5-2م. 

وفي عام 2007 تم انهاء جميع اعمال الصيانة في القنطرة واعادة المنارتين المنهارتين فاصبح مجموع المنائر حاليا 4 وتم اعادة القنطرة الى حالتها الاصلية. وقد قامت بالعمل لجنة من الخبراء الاثاريين والمهندسين في دائرة اثار كربلاء

ويشير المنقب”سميت بالقنطرة البيضاء نظرا للونها الأبيض ولكونها دلالة واضحة للوصول والسلام إلى مراقد الأئمة في كربلاء وخاصة قبل وجود بساتين النخيل التي تحجب رؤية المنائر حاليا.”

القنطرة شيـّدت عقب شق نهر الحسينية من قبل قبيلة جشعم الشمرية 

ويذكر المستر ستيفن هيمسلي لونكريك صاحب كتاب أربعة قرون من تاريخ العراق الحديث انه” صدرت إرادة السلطان سليمان العثماني بحفر نهر يصل من الفرات إلى مدينة كربلاء فأراد أولا حفر وإحياء النهر القديم،شاطئ الفرات أو العلقمي (النهر الذي حدثت قربه معركة الطف عام 61 هـ بين الإمام الحسين وجيش يزيد بن معاوية) فوجده بعيدا،ثم اتجه إلى حفر نهر جديد اخر يتجه بنفس الاتجاه، فاستعان السلطان بالخبراء الفنيين وكان أكثر العمال من قبيلة (جشعم الشمرية) الساكنة في المنطقة مبينا ان طريقة حفر النهر كانت بالطريقة اليدوية المعروفة بـ (الحشر)، وقد سمي النهر بالسليماني نسبة إلى السلطان سليمان “.

بعد إكمال حفر نهر الحسينية، قام السلطان العثماني بتكليف والي بغداد العثماني الجديد حسن باشا ببناء القناطر فوق النهر، وكان الاهتمام منصبا أولا على مكان القنطرة الحالي لوجود اثر مقدس بجانبها هو مقام و مكان صلاة الإمام علي (ع) عند مروره بكربلاء عام 37هـ أثناء توجهه إلى معركة صفين عن طريق كربلاء ثم عين التمر فالانبار الى الشام.” 

القنطرة جدد بناءها والي بغداد المملوكي سليمان باشا الكبير بعد الغزو الوهابي عام 1803م

ويقول محمد حسن الكليدار صاحب كتاب مدينة الحسين بجزءه الثالث “ان القنطرة جدد بناءها والي بغداد المملوكي سليمان باشا الكبير بعد الغزو الوهابي عام 1803م… وفي عام 1824 دارت عليها معركة وطنية تسمى واقعة الميراخور أو كما تعرف محليا واقعة المناخور بين العثمانيين وأهالي كربلاء لان كربلاء أعلنت العصيان وأصبحت تحكم نفسها بنفسها بعد قتل المتولي فتح الله خان وبعده علي أفندي، وبعد محاصرة طويلة للمدينة اضطر الوالي العثماني داود باشا لقيادة الجيش العثماني لاحتلال المدينة 

 

ويستطرد الكلدار “في تلك الفترة كان متولي كربلاء سليمان أغا الكهية، أي النائب باللغة التركية، ونتيجة لطول مدة المعركة والحصار تهدم جزء كبير منها، فقام السيد علي النهري بالاستعانة بالمعمارى محمد بن علي بن اسطة قاسم البناء الاسدي بإعادة الجزء المتهدم من بنائها قبل حوالي 150 سنه، أي في 1850“.