***منارة الحدباء …جديد

منارة الحدباء                                               

 

 

       من يعرف نينوى، ومن طرق بابها، لابد ان يعرف جامعها الكبير ومئذنتها المائلة والمعرفة باسم منارة الحدباء، التي تُعد واحدة من أهم معالمها التي يقصدها السيّاح لجمال هندستها المعمارية، وسرّ ميلانها.

 

وتعد منارة الحدباء من المعالم التاريخية التي تحكي عن تاريخ مدينة عراقية عريقة، شيدت في الجامع الكبير في الموصل، واشتهرت بها المدينة لتتّخذ احد اسمائها منه، وهي من أطول المآذن النفيسة لما تحتويه من نقوشات وإبداعات الهندسة المعمارية الاسلامية في ذلك الوقت.

 

يبلغ طولها 65 م مع قاعدتها، بناها، نور الدين زنكي أمير الدولة الاتابكية (566ه__1170م)، وبكلفة (60الف دينار ذهبي)، ليتوسط المدينة القديمة ويحمل نقوشات رخامية صنعت بأسلوب خاص ومميز تميز فيه فن الاعمار في عهد الدولة الاتابكية.

 

ويؤكد باحثون ايطاليون وفدوا لمعالجة الشروخ التي ظهرت في جسد المنارة منتصف سبعينيات القرن المنصرم ان منارة الحدباء هي الأطول في العالم بين مثيلاتها وهي الأجمل في فنون الريازة والعمران، ومسألة تشييدها بهذا الارتفاع الشاهق في زمن بنائها يعد معجزة، اذ انها ارتفعت بطول (65م) وعرض (17م) وهذا الأمر بحد ذاته يعتبر من الخوارق العمرانية في زمن بعيد جدا عن تكنلوجيا الإنشاء والعمران، لم تعرف فيه الرافعات العملاقة ولا الوسائل المساعدة التي يتعكز عليها المعمار المعاصر، هذه المنارة حملت خصوصية في البناء، إذا ما أمعنا النظر في ريازتها بدقة وجدنا فيها زخارف نباتية متشابكة مع زخارف هندسية متداخلة تداخلا كليا مع بعضها بصورة متناظرة بحيث تكون الصورة متممة للزخرفة النباتية وهذا يدلل على مهارة فن الزخرفة في ذلك الوقت.

 

وتتالف الحدباء من قاعدة منشورية مكعبة يعلوها بدن اسطواني ينتهي بحوض، ورقبة وقمة مزخرفة، وسميت المئذنة الحدباء لميلانها الواضح نحو الشرق باتجاه صحن الجامع.

 

وبعد ثمانية قرون وعلى الرغم من إجراء عمليات صيانة عديدة على المنارة قبل وبعد عام 2003، إلا أن التشققات في قاعدتها أصبحت مثيرة للقلق، وأكدت الجهات الفنية في عدد من دوائر نينوى الحكومية، ان السبب في ذلك يعود الى المياه الجوفية أسفل المنارة، وقالوا بان كمياتها كبيرة جدا، وأن الأمر يتطلب تدخلاً من جهات دولية متخصصة، وإلا فان مصيرها الانهيار.

 

بعد ان ظلت منارة الحدباء تطوي سر ميلانها قرونا من الزمن أقدم فريق علمي من الباحثين في جامعة الموصل على اكتشاف هذا السر في أحدث دراسة عمرانية فيزياوية …اذ وجدوا بعد دراسة ميدانية لجسد المنارة من قاعدتها المنشورية التي ترتفع 15.8 مترا وصعودا إلى هيكلها الاسطواني الذي يبلغ قطره 3 أمتار وينتهي بمترين قبل القمة التي اخذت شكلا يشبه الخوذة وجد الفريق العلمي أن المئذنة تعد من مصافي أبراج العالم (الداعمة ذاتيا) والتي تمتاز بالمرونة العالية ، والصلابة في أن واحد، فهي مصممة على أسس قوانين (الستاتيك) و (الداينمك) ونظرية المجاميع وهي قوانين حديثة، تحيط جسم المنارة زخرفة ، مبنية بالجص والآجر، وتشتمل على سبعة أقسام ، يمتاز كل قسم منها بزخارف تخالف بقية الاقسام، ويفصل بين كل قسمين منها حاشية رفيعة من الزخارف الدقيقة وهذه الزخارف ليست لتجميل المئذنة وحسب، وان تتمتع ببنى بلورية تعطي المئذنة مرونة عالية، حسب مواصفات القوى والعزم والارتفاع.

 

إن لهذه المنارة شأناً آخر لاتمتلكه بقية المآذن الموصلية، لقد أصبحت الآن وبهذا العمر المعماري الطويل من نفائس الآثار في العراق، ورغم عمرها الطويل الا انها مازالت محافظة على دقة هندستها الجميلة بنقوشها البديعة التي تشكل آية من آيات الفن المعماري الإسلامي.

إلا انه وبعد 8 قرون على بناءها وصمودها حذر متخصصو الآثار في الموصل من أن قاعدتها تأثرت كثيرا بفعل المياه الجوفية التي تطفو عليها قاعدة المئذنة والتي تتآكل يوما بعد آخر، كما أن الشقوق والتصدعات الخطرة التي بدأت تظهر وتتضخم في أجزاء منها ستؤدي إلى انهيارها حتماً إذا لم تتدخل أيد ماهرة ومتخصصة في إنقاذها, وهذا ما يرجوه الموصليون لحماية معلم مهم طالما اشتهرت به مدينة عرفت على مر العصور بحضاراتها المتعاقبة.