المدرسة النظامية

المدرسة النظامية

شهدت بغداد في العصر العباسي نهضة تعليمية بدأت بشكل منظم وبرعاية الدولة سنة 457هـ/1065م عندما بدأ الوزير نظام الملك السلجوقي ببناء المدرسة المعروفة بالنظامية والتي افتتحت للتدريس سنة 459هـ/1067م واحتفل بافتتاحها احتفالا كبيرا.

هذا ما جاء في إصدار (اصدار ندوة البيوت التراثية البغدادية 20 آيار 2012) وهو بإشراف وإعداد أ.د. خليل حسن الزركاني وأ.م.د. صلاح رشيد الصالحي وم.د. زينب الزهيري . الكتاب صادر عن مركز إحياء التراث العلمي العربي ـ جامعة بغداد .

كما جاء فيه ومن ضمن الموضوعات الواردة فيه :

كانت المدرسة النظامية خاصة بالشافعية ، وكان من شروطها أن يكون المدرس بها والواعظ ومتولي الكتب من الشافعية أصلا وفرعا، ودرس في هذه المدرسة كبار العلماء والفقهاء مثل ابي اسحق الشيرازي شيخ الشافعية في وقته في بغداد وأبي نصر بن الصباغ وأبي حامد الغزالي وغيرهم من كبار فقهاء الشافعية في العالم الإسلامي ، ومن النحويين والادباء الذين درسوا في هذه المدرسة العتيدة أبو زكريا الخطيب التبريزي وعلي بن محمد الفصيحي.

وكان تعيين المدرسين في النظامية من صلاحية الوزير، وكان هذا واضحا عند تعيين المدرس الاول أبي اسحق الشيرازي في النظامية بأمر الوزير نظام الملك، وفي تعيين الغزالي مدرسا في نظامية بغداد.

وورد في الندوة أيضا أن المدرسة احتوت مكتبة فخمة فيها من الكتب النفيسة ، وكان للمكتبة خازن ومشرف ومناولون للكتب ، وذكر ابن الاثير أن الخليفة الناصر لدين الله العباسي جدد خزانة كتب المدرسة النظامية ونقل اليها ألوفاً من الكتب الحسنة ، وللأسف إن هذه الخزانة العظيمة اندثرت وانمحت من الوجود وضاعت جميع كتبها كما انمحت آثار هذه المدرسة العظيمة التي هي اول المدارس في الإسلام .

وعمن زار المدرسة جاء في الكتاب :

ممن زار المدرسة النظامية الرحالة العربي ابن جبير وقال : (والمدارس ببغداد نحو الثلاثين وما منها مدرسة إلا ويقصر القصر البديع عنها واعظمها وأشهرها النظامية). كما حضر ابن جبير درسا من دروس المدرسة النظامية ووصف كيفية الدرس وإلقاء المدرس لمحاضرته والأسئلة التي يوجهها الطلبة.

وذكر ابن بطوطة المتوفي سنة 779هـ/1377م والذي زار المدرسة النظامية وقال : (بغداد حافلة الأسواق عظيمة الترتيب وأعظم اسواقها سوق يعرف بسوق الثلاثاء كل صناعة فيها على حدة وفي وسط السوق المدرسة النظامية العجيبة التي صارت الأمثال تضرب بحسنها) .

 

وعن أشهر طلاب المدرسة النظامية ورد في الإصدار أنهم كل من :

1-      علي بن الحسن بن عساكر الدمشقي المتوفي سنة 571هـ/1175م دخل بغداد ولزم التفقه وسماع الدروس بالمدرسة النظامية ومن أشهر كتبه تأريخ دمشق.

2-      العماد الأصفهاني : أبو عبد الله محمد بن صفي الدين الكاتب ، تعلم بالنظامية على يد الشيخ ابن منصور سعيد مدرس النظامية وسمع بها الحديث من أبي الحسن علي بن هبة الله بن عبد السلام وغيره من أعلام المدرسين في النظامية ، ومن أشهر كتبه : خريدة القصر وجريدة العصر وكتاب الفيح القسي في الفتح القدسي ، وكانت له منزلة رفيعة عند السلطان نور الدين زنكي وصار صاحب سره وكان من أشهر كتاب صلاح الدين الايوبي وأصبح من جملة الصدور المعدودين والأماثل المشهورين يضاهي الوزراء ، توفي العماد الأصفهاني سنة 571هـ/1175م بدمشق ودفن في مقابر الصوفية.

3-      ومن طلاب المدرسة النابهين ، بهاء الدين بن شداد ، وتتلمذ على الشيخ رضي الدين القزويني شيخ الشافعية في بغداد ومن ثم صار من رجالات السلطان صلاح الدين الأيوبي وعينه السلطان قاضيا على حلب ، ومن كتبه سيرة صلاح الدين بن أيوب واشتغل معيدا بالمدرسة النظامية ، وتوفي في حلب سنة اثنتين وثلاثين وستمائة للهجرة.

 كما ورد في الكتاب :

لما أنشئت المدرسة النظامية في بغداد أنشئ فيها كرسي لتدريس الادب عهد به الى أبي زكريا الخطيب التبريزي ت 502هـ وخلفه على ذلك علي بن أبي زيد الفصيحي وتلاه أبو منصور الجواليقي شارح كتاب ادب الكاتب.

وفي أوائل القرن السادس الهجري إتسع مفهوم الادب عند العلماء فأطلقوا على العلوم اللسانية من النحو واللغة وغيرهما اسم علوم الادب ، قال أبو القاسم الزمخشري ت 538هـ : (علوم الادب يحترز بها عن الخلل في كلام العرب لفظا وكتابة).

ومن الذين درسوا في النظامية عدد كبير من الذين تفقهوا في هذه المدرسة العريقة من الذين اشتهروا في حياتهم الثقافية والسياسية والاجتماعية، وزالت هذه المدرسة العظيمة نتيجة إهمال من تولى أمرها واستحوذ البعض منهم على اوقافها كما كانت لحوادث الحريق والغرق الاثر الفاعل في ضعف جوانب هذه المدرسة وبخاصة أيام ضعف الخلافة العباسية ودخول المغول بغداد، وبمرور الأيام وتوالي الأعوام اندرست آثارها وطمست أخبارها وانمحى ذلك المكان الذي كان يشع بأنوار العلم والمعرفة وكان ينبوعا من ينابيع الثقافة التي كانت في خدمة المجتمع الإنساني .

قال المحقق السيد محمود شكري الآلوسي في كتابه تأريخ مساجد بغداد : (لم ندرك نحن ولا آباؤنا اثرا من آثارها.. ولم يبق منها سوى بقايا مئذنة بقيت تشكو بلسان حالها..).

وقد نظم شاعر العصر الرصافي قصيدة على لسان هذه المدرسة جاء في مطلعها :

قوض الدهر بالخراب عمادي                 ورمتني يداه بالانكاد

ومنها:

طالما رفرفت من العلم رايات                 فخار مني على بغداد

اهل بغداد ما لأعينكم تغمــض                عني كإنــكم في رقـاد

اهل بغداد هل ترق قلــــوب                 منكم راعها انقضاض عمادي

رق حتى قلب الجماد لفقــدي                فلتـــكونن قلوبـــكم من جــماد