التسامح الديني والسلم الاجتماعي

التسامح الديني والسلم الاجتماعي

                                                       أ.د مكي عبد مجيد الربيعي

يمثل الدين عاملا مهما بل اساسيا في صياغة المجتمعات وتنظيم علاقاتها الداخلية وروابطها الخارجية ويساعد في تحديد شكل المجتمع وأنماط السلوك الفردي والمجتمعي والدين في بدايات ظهوره بمحاولات الانسان للتواصل والتعايش سواء داخل نفسه او بالعالم المحيط به كما ساعد الانسان على حل مشكلاته كافة في تفاصيلها المتنوعة وساهم في تفسير ظواهر الكون التي شغلت الكثير من الناس كما ان الاديان باختلاف انماطها وإشكالها وحدت الجماعات الانسانية وربطت بينها في أقوى رابطة عرفها الانسان .

ان الاديان التوحيدية تسخر بنصوص عديدة لتقوية التسامح وتدعو الى ان البشر متساوون وينحدرون من أصل واحد ولهذا فان لهم جميعا الحق نفسه في الحرية والكرامة وعمران الارض ومن مرتكزات التسامح الديني هو اتباع العفو والصفح والتسامح وأحترام الاخرين على أختلاف ألسنتهم وألوانهم وتتجلى قيمته في كونه يقضي بالاحترام المتبادل فهو يقر الاختلاف ويقبل التنوع ويحترم ما يميز الافراد من معطيات نفسية ووجدانية وعقلية ويقدر ما يختص به كل مجتمع من مكونات ثقافية .

تحتوي الشريعة الاسلامية على مساحة كبيرة من هذا البعد حيث قرت الحرية لكل الناس مسلمين وغير مسلمين ولم يكتفي الاسلام باعلانها بل قرر حماية هذه الحرية فألزم الناس ان يحترموا حق الاخرين في أعتقاد ما يشأوون وترك كل منهم يعمل طبقا لعقيدته فالاسلام دعا الى أنسانية الانسان اي كان دينه أو جنسه أو معتقده وان اختلاف الناس حقيقة كونية وانسانية وقول الامام علي ( عليه السلام) الناس صنفان أما أخو لك بالدين أو نظير لك بالخلق . والاسلام يقر الاعتراف بالاخر ويرفض العنف والتعصب والدكتاتورية ويدعو الى تبادل الرأي والسلم والسلام في قوله تعالى (( أدخلوا في السلم كافة ( البقرة 208)…)) والدين يدعو الى الحرية التي من دونها لا تقدم ولا بناء حضاري أو أنساني وتشمل الحرية مبدأ حرية العقيدة التي يدعو اليها الدين كما في قوله تعالى ( لكم دينكم ولي ديني ( الكافرون )….)) وفي قوله تعالى ( ولا تجادلوا اهل الكتاب الا بالتي هي أحسن ( العنكبوت 46)…)) بحيث ألزم الناس بان يحترموا حق الغير في اعتناق ما يشاء .

كما ان جميع الاديان تدعو للعدل وهذا ما كان يهدف اليه الدين الاسلامي في جميع تشريعاته وهو امر يعلو فوق كل أشكال التميز وللعدل قيمة مغلقة كما تحث الديانات على الاتصال والتواصل الفعال وتجنب الجهل بالاخر وضعف التواصل يؤدي الى التعصب والعزلة ومن وسائل الاتصال الفعالة والحوار وتبادل الافكار وغرز وتنمية التسامح وأتباع سياسات تعليمية بناءة للتخفيف من مشاعر التعصب وتطبيق عدالة القوانين فكثير ما تكون القوانين الظالمة سبب في أنتشار القومية والتحيز الاجوف وعامل من عوامل الكراهية والبغض والحسد بين الناس ولهذا فان واجب الدين ان يقوم على بث الروح الايجابية وكانت مهمة محمد ( صلى الله وعليه وسلم ) كما ورد في القران الكريم تتمثل بأقامة العدل قوله تعالى (( وأمرتم لاعدل بينكم ( الشورى 15)….)) .

والتسامح الديني هو قيمة العدالة في روح الاسلام ومنطقه في كل المجالات من أجل أقامة مجتمع أمن ومتحضر وهو حقيقة أجتماعية لا يمكن ان تتجسد من دون تطوير الثقافة المجتمعية التي تحتضن كل معالم وحقائق هذه القيمة ولذا فان المسؤولية الاجتماعية الاولى هي العمل على تطوير ثقافة الحرية والتواصل وحقوق الانسان ونبذ العنف والاقصاء والمفاضلة .