غسيل الاموال

Money Laundering غسيل الأموال  

                                                                                                       م. د. هدى زوير الدعمي

     انتشرت في العقد الاخير من القرن الماضي ظاهرة غسيل الاموال  وسعت معظم الدول ان لم تكن جميعها الى محاربة هذه الظاهرة ، فالأموال القذرة موضوع محاط بالتعتيم، محفوف بالأمور الملتبسة والممارسات الغامضة.

وقد ناقش المؤتمر السنوى الحادى عشر للأكاديمية العربية للعلوم المالية المصرفية لهذا العام هذه الظاهرة تحت عنوان (تزايد تهديدات غسيل الأموال، وتنوع أساليبه، والعمل الدولى لمكافحته)، وذلك بحضور حشد كبير من المؤسسات المالية العالمية وخبراء غسيل الأموال فى العالم, وانتهى المؤتمر بمجموعة من التوصيات الهادفة إلى دراسة طبيعة غسيل الأموال وكيفية مواجهته.

   فكما هو معروف  أن المقصود من غسيل الأموال هو  إعطاء المشروعية لاموال اكتسبت بالباطل او التستر على أموال تم الحصول عليها بطرق غير مشروعة (تجارة مخدرات , تجارة سلاح ,عمليات سطو ونهب, تهريب….) ، وإدخالها النظام المصرفي من خلال غطاء زائف. اذ يحتمل غسيل الاموال عن طريق العمليات المصرفية ،وبهذا فأن غسيل الاموال يعني كل معاملة مصرفية هدفها اخفاء او تغيير هوية الاموال المتحصلة بطرق غير قانونية، ليتاح استخدامها بصوره طبيعة ، ولهذا تعد جريمة غسيل الاموال مخرجا لصعوبة التعامل مع متحصلات الجرائم الاقتصادية خاصة تلك التي تدر اموالا طائلة . فهي تحتاج الى قواعد قانونية قادرةعلى تحقيق فعالية في مواجهة مثل هكذا نوع من الانشطة الجرمية ومكافحة انماطها المستجدة .  

   ان التحويلات المالية الكبيرة والمكثفة فى حركة الاموال المغسولة تؤثر سلبيا على أسواق المال ومستويات أسعار الصرف والفائدة وتضعف الثقة فى الاقتصاد الوطني. فعمليات غسيل الاموال تمثل التحدي الحقيقي أمام مؤسسات المال والاعمال ، اذ تعد من أصعب الجرائم في تتبعها لأنها تأخذ أشكالاً مختلفة ودوماً ما تستحدث طرق لغسل الأموال.

    وإذا كانت تجارة المخدرات هي صاحبة الفضل في تنبيه العالم الى فكرة غسيل الأموال ومحاربتها ، إلا إن كل أموال يتم الحصول عليها بطريق غير مشروع كالسرقة أو الاختلاس  اوتهريب الاسلحة اوالرقيق وانشطة الفساد المالي ومتحصلات الاختلاس وغيرها تدخل في نطاق هذا المفهوم. فالأموال التي يتم استخدامها بطرق مخالفة للقانون  كأموال الفساد الإداري ورشاوى كبار المسؤولين الاقتصاديين والسياسيين والإداريين »الذين يطلق عليهم اسم رجال (الياقة البيضاء), إذ يعدون  هم الشريحة الأولى التي لبعض أفرادها المصلحة الكبرى في الاحتكار والتهرب من الضرائب والرسوم وغير ذلك، كما أنها عادة ما تأخذ طابعاً دولياً حيث يتم الحصول على المال من احدى الدول بطريقة غير مشروعة و استثمار المال استثماراً وهمياً في دولة أو منطقة أخرى ثم يتم  إيداع المال في دولة ثالثة فالاموال التي مصدرها الفساد والتهرب الضريبي وتهريب العملة التي تعتبر حين تترك الدولة (الوطن) رؤوس اموال هاربة ويعتبر تلقيها أمراً مشروعا في أي دولة أخرى. وبدلا من ان تعرف بداية مصادر الأموال القذرة أصبحت تغسل في البلدان النامية بدون معرفة مصادرها وذلك من خلال وضعها في مشاريع اقتصادية تساعد على النمو الاقتصادي ومحمية بقوانين تشجيع الاستثمار وغيرها.

  ولا ينبغى أيضا اهمال دور غسل الاموال فى الانشطة الاجرامية والاخلاقية والاجتماعية والنفسية المرتبطة بها بما فى ذلك التأثير السلبى على عدالة توزيع الموارد والثروات ومستوى دخل الفرد وما ينجم عنه من فرض القيم الفاسدة على المجتمع وحماية مصلحة فئة خارجة على القانون.

     أما عن أشهر من يقومون بعمليات غسيل الأموال فهي عصابات المافيا بشكل عام ، والمافيا الروسية بشكل خاص,  وتعتبر دول امريكا الجنوبيه وخاصه البرازيل والارجنتين اكثر الدول الممارس بها عمليات غسل الأموال ويرجع ذلك منذ عهد اعتماد النظام النازي في الحرب العالمية الثانية عليها بإضفاء الشرعية على الأموال المنهوبة من قبل متاحف وخزائن وذهب دول أوروبا المجتاحة من قبله وان كانت أسبانيا تعتبر قديما اكثر الدول المشجعة لعمليات غسيل الأموال ببنوكها وخاصة أثناء الحكم العسكري إلا إن الحال قد تغير بعد عوده نظام الملكية والديمقراطية لها .

  أما بالنسبة للوطن العربي فإن معظم عمليات غسيل الأموال وعصاباتها تتركز في الدول التي اتجهت نحو الانفتاح الاقتصادي والتشريعات الاقتصادية التي تسهل انتقال رؤس الأموال ، على الرغم من ان السلطات تعمل على الحد من تلك الظاهرة ، وتعد العصابات التي تمارس هذا النشاط  هي عصابات متمرسة و أغلبهم ينتمون لدول متخلفة يصعب فيها تتبع مصادر الثروة .

    ان ما حصل بالأرجنتين التي بدأت بها الجرائم الاقتصادية نتيجة الخطأ بالسياسة النقدية واسعار الصرف وانتهت بجرائم غسيل الأموال بالاتجار بالمخدرات والفساد الإداري وتهريب الأموال للخارج , كان لابد لأية دولة أن تتنبه الى خطورة الجرائم الاقتصادية باعتبارها من الجرائم الديناميكية التي تتطور سريعا من حيث وسائل التقنية الحديثة المستخدمة في ارتكابها، مما يتطلب بالضرورة سن قانون لمكافحة غسيل الاموال ووضع اليات حديثة ومتطورة للقضاء على هذه الظاهرة الى الحد الذي يصعب فيه أجراء تحويلات مصرفية لاموال كبيرة نسبيا إذا لم يكن بإلامكان توضيح مصدر تلك الأموال.

   و لا بد من الإشارة إلى إن أهم العوامل التي ساعدت على تسلل الأموال القذرة إلى المشاريع الاقتصادية الكبرى في العراق هو لجوء دولتنا إلى نظام الخصخصة الذي يبيح لاصحاب رؤوس الأموال مهما كانت مصادر أموالهم إن يتملكوا هذه المشاريع الكبرى التي كانت تديرها الدولة.أضف إلى ذلك عمليات السطو والنهب التي تمت بعد سقوط النظام وهو ما يعرف (بالحواسم ) وخلاصة القول مطلوب من دولتنا في هذا الظرف  الصعب محاربة الجريمة بمنع مرتكبيها من الاستفادة من ريع جرائمهم و لا أحد يدري كمية الأموال التي يجري تبييضها وغسلها في العراق ولكن لا بد إنها عظيمة وكبيرة ،فقد ظهر بالعراق ويظهر بعد كل حين عدد من ألاثرياء الذين يظهرون فجأة بملايين الدولارات كما ان تصرفاتهم وسذاجتهم في كيفية واوجه صرف الاموال تدل على مصدرها.وإذا كانت حكومة العراق قد احتضنت غاسلي الأموال ولم تسأ لهم عنها ، بل قبلت أموالهم صدقة وتبرعا وقروضا ، وهيأت لهم ليصبحوا نجوما في عالم السياسة والمجتمع ، فلا يمنعنا هذا من أن ننظر إلى مستقر أقدامنا ونتأكد من مدى ترسخ خطواتنا ونجاح أهدافنا القصيرة وقدرتنا على الاقتراب من أهدافنا البعيدة المدى ،و لا نغفل عن تقيم الفترة  السابقة وإعادة النظر في أنشطتنا وبرامجنا ورؤانا نحو بلورة آفاق أرحب للممارسة السياسية والعلاقات الاجتماعية وللنشاط الاقتصادي ,وفي الختام أتمنى أن أكون قد أسهمت في هذا الموضوع المهم لبناء هذا البلد على اساس سليم ونصحح المسار في هذه المرحلة المهمة على أمل أن يتطور النقاش وتتسع آفاقه.