تعيش ام مع ابنها الوحيد وزوجته واطفاله. لقد هجر الام زوجها منذ زمن واتخذ زوجتين اخريتين، فذاقت الحزن والفاقة لتربية ولديها. وجاءت حرب الثمانينيات فخسرت الولد الاول في الحرب، وبقت الام ترى في ولدها دافعاً للعيش من أجله ومعه. وتذرعت بالصبر كي تظل الى جانبه وتسقيه من صدرها حناناً وعاطفة وابتهالات الى الله ان يحفظه، وكانت فرحتها لا توصف عندما تزوج. وجاءت فرحتها الكبرى عندما رزقه الله بمولود ذكر ثم آخر.

وعندما صار لديه أربعة أطفال أحست أن الحزن بدأ يودعها وأن العائلة صارت كبيرة من جديد. ولكن… سرعان ما عاد إليها الحزن الذي أبى أن يفارقها، ففي احد الايام توجه الى عمله في العاصمة بغداد كما هي عادته منذ سنوات … في ذلك اليوم الذي غادر فيه بدأت تحس بأن شيئاً ما سيحدث! فالرعب ينتمي الى أيام تكرهها ولا تطيق التفكير بها. فهرعت الى أخيها وطلبت منه بإلحاح أن يتصل بولدها ويحضره إليها في الحال قبل أن يقع المحذور.

ماذا حصل؟ لماذا هذا الخوف؟

تساءل الاخ من غير ان يجد اجابة منطقية، فالام كانت تحس بأشياء لا يشعر بها هو… كان قلبها وحده الذي يخفق في مساء ذلك اليوم الذي غادر فيه الابن … ثمة شيء مكروه سيحدث!.

وحدث ما لايحمد عقباه، فعندما اتصل أخوها بالشركة التي يعمل فيها الابن اخبره زملاء العمل أن الشاب خرج ولم يعد … وانهم يبحثون عنه بلا جدوىوتوجه على عجل الى هناك. ليبحث ويبحث. وبعد عشرة أيام عثر على الجثة في احد المشتشفيات … إذ لقي الولد حتفه برصاصة في مؤخرة الراس وكفى! ولكن كيف يمكن إخبار الأم بما حصل؟ لقد عجز أشجع الشجعان عن اخبارها بالخبر الذي صار لابد من معرفته في النهاية.

وعرفت الخبر … وعندما ألقت على ولدها نظرة الوداع، ودعت آخر ما تبقى لها في الحياة. وفي اليوم السابع وعندما كانت تحتضن حفيدها الصغير شمته في عنقه بشوق كبير ونطقت باسم ولديها الراحلين ثم فارقت الحياة.