الحقيقة واحدة لا لبس فيها … إننا منتصرون على الدوام
لقد تجاوزنا محن وفتن الطائفية في بدايات ولادة نظامنا الديمقراطي الجديد، وتركنا مهاترات الساسة في أروقة وكواليس السياسة، ومسكنا قلماً ليكتب الانتصار الذي رفعت راياته في سوح الوغى، ليكون تحرير الفلوجة من أبهى الانتصارات التي وضعت الجيش العراقي محلّ الصدارة بين جيوش العالم، على الرغم من تسليحه الهزيل، لكنه حقق انتصاراً لم تستطع جيوش العالم المتحالفة والمتسحلة بأحدث التقنيات العسكرية أن تحقّق عُشر ما حقّقه الجيش العراقي وقواته الأمنية بتضامن مع المد البشري لقوات الجهاد الكفائي من الحشد الشعبي المقدس.
إننا منتصرون … ودليل انتصارنا جريمة الكرادة الضاحكة بضحى الانتصار، فما الجريمة هذه إلا هزيمة الداعشيين من التكفيريين ومن والاهم من الأنظمة الفاسدة. فدم الكرادة هو الدليل الواضح على قوة هذا الشعب وإرادته وتصميمه. فنزف الدم لتنبت المحبة والوئام، ولتحيا وسط بحيرة الدم شجرة التماسك والوحدة … لقد حيّرت العقول ياعراق … ما أعجبك … يموت أبناءَك وتبقى صامداً ضاحكاً… يقتلون الرّضعان وتعلو هامتك بنياناً مرصوصاً … ياإعجوبة العالم الكبرى … وياوجه التاريخ الأبهى.
لقد حققت دماؤك انتصاراً في سماء العالم رفّت رايته، هو انتصار أهوارك وحضارتك لتكون لها المكانة المرموقة والراية الحقّة في منظمة اليونسكو. ولطالما حاولت الانظمة الحاكمة طيلة تأريخك السياسي، تجفيف الأهوار بشتى الذرائع والحجج، فأعدّتها ملاذاً آمناً للهاربين والمجرمين، غير أنها ملاذ الآمنين من العراقيين الذين يقتاتون من خيرات الأهوار فيفترشون جزرها ويبيتون تحت سقف قصبها، ويعيشون بين ربوعها ليستنشقوا هواء جنوب العراق الدافئ. ففي الفترة الممتدة بين حقبة السبعينيات وعام 2003 ، تعرض زهاء 90% من منطقة الأهوار الأصلية للتجفيف والتدمير نتيجة للاستغلال المفرط والمنظم لها، ونتيجة لتعرض سكانها للقمع السياسي. وأن حوالي (175000) من مواطني الأهوار أجبروا على الفرار منها، والبحث عن موطن آخر في أرجاء مختلفة داخل العراق وخارجه.
أما الأهوار… فهي لوحة مائية خضراء منفردة في تكوينها، ومملكة ماء تزخر بالحياة البشرية الفريدة من نوعها أيضاً. فهي غريبة في تفصيلاتها الصغيرة، وجميلة الى حدّ لا يوصف. فهي أرض شهدت فجر الحضارات وأعطت للبشرية الكتابة والفكر. وهي ملتقى نهري دجلة والفرات، وغابات من القصب والبردي، وومرّات مائية وسط نبات طبيعيّ… إنها حقّاً فينيسيا العراق كما يسميها بعض الباحثين المختصين.
وعقب عام 2003 وتغير نظام الحكم في العراق، لاحت في الأفق فرصة فريدة لإعادة إحياء الأهوار، إذ بدأت بالفعل العديد من المجتمعات المحلية والمؤسسات والمنظمات حشد ما يمكنها لدعم إعادة إحياء الأهوار. ونتيجة لتلك الجهود، تمت إعادة تأهيل أربعون بالمائة من المنطقة تقريباً بنجاح، ويتواصل العمل على إعادة إحياء التنوع البيولوجي وسبل العيش في منطقة الأهوار. ومن خلال الجهود الكبيرة للنخبة الطيبة من رجال العراق ومن آزرهم بالقلم والمعلومة والبيانات والإثباتات ليقدموا التأريخ بثوب قشيب يزهو في ربوع التراث ويثبّت ساريته في مرافيء التاريخ، فيكتبوا باسم العراقيين انتصار الأهوار ليكون النصر من الفلوجة الى الكرادة الى الأهوار.