السلاح الوقائي للحد من تأثير العولمة في التنمية المستدامة

     قد يكون تطبيق مبادئ التنمية المستدامة هو السلاح الوقائي الأكثر فعالية لان الاهتمام بالرأسمال البشري وتطويره وزيادة قدرته على التكيف مع التطورات التكنولوجية العملاقة الجارية عالميا هي من أهم عوامل الاستفادة من العولمة بدلا من الخضوع لسلبياتها بشكل ساكن.

     ومن أجل مواجهة التحديات، لابد من وضع تصورات تنموية واضحة تهدف إلى تحقيق التضامن المجتمعي بالقضاء على الفقر والأمية وجعل وسائل الإنتاج متوفرة لكل الفئات الاجتماعية، كما ذكر سابقا، على أن يكون هذا التضامن مبنيا على دراية متعمقة لسير التطورات الاقتصادية والمالية والصناعية الدولية وعلى البحث الرصين عن سبل زيادة قدرة المجتمع المحلي في مواجهة تحرير المبادلات والأسواق والحصول على حصة ملائمة من فرص وأرباح العولمة، وكذلك تكريس موارد مالية كافية للفئات الاجتماعية المعرضة للتأثيرات السلبية الناتجة عن إزالة الحمايات والقيود وفتح الأسواق المحلية للمنافسة الدولية الكاملة. ومما لا شك فيه أن مبادئ التنمية المستدامة تكون قاعدة منهجية صلبة لكيفية دراسة المشاكل ووضع حلول لها في حوار مستمر بين المسؤولين وقواعد المجتمع المدني بكل فئاته الاجتماعية والمهنية.

     والجدير بالملاحظة أن الأقطار العربية معرضة للخطر أكثر من سائر الأقطار النامية (باستثناء الكثير من الدول الإفريقية) لان نموذجها التنموي وتصوراتها الإنمائية لم تأخذ في الحسبان مبادئ التنمية المستدامة، كما سنراه في الجزء اللاحق من الدراسة. ولئن قامت بعض الأقطار العربية بإصلاحات اقتصادية هامة على أثر انفجار أزمة المديونية في الثمانينيات أخذت تفتح تدريجيا أسواقها الداخلية، ووقع البعض منها اتفاقات مع المجموعة الأوروبية لإنشاء منطقة تبادل حر بينها وبين المجموعة الأوروبية ستطبق بالتدريج لكي تصبح نافذة تماما عام 2010، فإن تصورات ما يمكن أن يحصل داخليا في أسواق العمل والقدرة الإنتاجية من جراء تطبيق تلك الاتفاقات لا تزال غامضة وغير دقيقة، كما أن القضية الاجتماعية، بكل أبعادها الاقتصادية والسياسية، لم تحظ بعد بالعناية الكافية، ناهيك عن المشاكل البيئية المتعددة التي تعاني منها الأقطار العربية.

 

     لذلك لابد من تعميم مبادئ التنمية المستدامة في الأقطار العربية والنظر إليها على أنها ليست نقيضة مقتضيات العولمة التي أصبحت مهيمنة على النظام الاقتصادي الدولي، بل على أساس أن استيعاب مبادئها والعمل الدؤوب من اجل تطبيقها هو المدخل الصحيح إلى مواجهة مقتضيات العولمة والتكيف معها بالشكل الناجح لصالح الاقتصاد المحلي.