أيا صوفيا.. بين المسجد والمتحف
يقف متحف آيا صوفيا بوسط إسطنبول بشمال غرب تركيا، ليعلن عن نفسه كواحداً من أجمل المتاحف العالمية التي تحمل بين كافة أركانها جوانب تاريخية متعددة، ولا عجب في ذلك فهذا المبنى العظيم قد مر بالكثير من الحقب بداية من إنشائه ككنيسة بيزنطية حتى تحوله إلى مسجد وانتهاءاً بوضعه الحالي كأهم متاحف الشرق الأوسط.
يقف متحف آيا صوفيا بوسط إسطنبول بشمال غرب تركيا
إلا أنه وعلى الرغم من كونه لا يزال متحفا فقد أقيمت صلاة الفجر أمس في ساحة “آيا صوفيا” المقابلة للمبنى الأثري و لأول مرة منذ 79 عاما ضمن فعالية نظمتها جمعية “شباب الأناضول” تحت شعار “أحضر سجادتك وتعال”، في إطار حملة داعية إلى تحويل متحف آيا صوفيا إلى مسجد.
وكانت الساحة قد امتلأت منذ منتصف الليل بالمصلين؛ حيث انشغلوا بالاستماع إلى القرآن والدعاء إلى أن حان موعد الصلاة. وأحاط رجال الشرطة؛ حديقة آيا صوفيا بالحواجز لمنع الدخول إليها. وتفرق المصلون بعد أداء الصلاة وهم يهتفون “فلتحطم السلاسل وتفتح آيا صوفيا”.
ومر هذا الصرح المعماري الفريد بالعديد من المراحل، فقد بنيت كنيسة آيا صوفيا على أنقاض كنيسة ذات مخطط كتدرائي ذو سقف خشبي أقامها الأمبراطور قسطنطين، ولكنها احترقت في أحد حركات التمرد وهو ما جعل الإمبراطور تيودوروس الثاني يقوم يينائها ثانية ويفتتحها للعبادة عام 415، ولكنها ما لبثت أن احترقت أيضاً، ثم قرر الأمبراطور أيوستينيانوس الثاني أن يبني آيا صوفيا في شكل أعظم ولذا فكلف أشهر معماري العصر في ذلك الوقت، ليستمر البناء خمس سنوات متتالية منذ 532 إلى 537، وعندما تصدع الجزء الشرقى من المبنى نتيجة حدوث هزة ارضية في إسطنبول وسقط جزء كبير من القبة الضخمة أمر جستنيان بإعادة بنائها مرة أخرى بحيث أصبحت أكثر أرتفاعا من السابقة.
تم تحويل الكنيسة إلى مسجد على يد السلطان محمد الفاتح
وقد استمرت الكنيسة في الاستخدام كمركز للدين المسيحي لفترة طويلة حتى دخول الدين الإسلامي عام 1453 م للقسطنطينية فتمت مصادرتها، وتحويلها إلى مسجد على يد السلطان محمد الفاتح، وأضيف لها منبر ومئذنة من الخشب، وتركت الزخارف والنقوش والرموز المسيحية، صور عيسى ومريم عليهما السلام، على الجدران والسقف دون تغير حتى هذا اليوم، وظلت أيا صوفيا مسجداً حتى بداية القرن العشرين حيث قام مصطفى كمال أتاتورك بتحويل المبنى إلى متحف حتى الآن.
وإذا حالفك الحظ ووقمت بزيارة آيا صوفيا سيلفت انتباهك منذ البداية هذا المبنى الضخم الذي يقف في شموخ وكأنه يزهو في ترحيب بالزائرين، كما ستجذب ناظريك قبته الكبيرة التي تعانق السماء وكأنها ترسم لوحة فنية بديعة تبهر كل من يراها من كل حدب وصوب، ولعلك إذا اقتربت من هذا المتحف بشكل أكبر سترى جمال الخطوط الأساسية لفن العمارة البيزنطية الممزوجة بتقاليد العمارة الرومانية والفن الإسلامي الشرقي وهى ترسم الملامح المميزة لهذا الصرح الهندسي البالغ طوله 100 متر وارتفاع قبته المعلقة في الهواء، والتي تستند على أربعة أعمدة جرانتية، وتستند من الشرق والغرب على انصاف قباب ضخمة وترسو بدورها على عقود ودعامات سفلية تخفف الضغط على الحوائط.
أثناء دخولك إلى المتحف ستمر بساحة كبيرة منقوشة حوائطها بأجمل الزخارف
وأثناء دخولك إلى المتحف من الباب الوحيد المفتوح من جهة الغرب، ستمر بساحة كبيرة منقوشة حوائطها بأجمل الزخارف والفسيفساء والنقوش الفنية والهندسية، وبالرغم أن معظم المناظر قد غطيت في عصر الدولة العثمانية بطبقات من الجبس ورسم فوقها زخارف هندسية بالخط العربى، إلا كثيرا من هذه الطبقات سقطت وظهرت المناظر القديمة أسفلها.
وعند مرورك من هذه الساحة المستطيلة من جهة الشمال، سيقودك باب إلى درج حلزوني رائع الجمال تأخذك درجاته المتراصة في مشهد يجعلك تشعر وكأنك أحد ملوك الدولة العثمانية إلى الدور العلوي والذي خصص إبان العهد الاسلامي للنساء، ومن داخل آيا صوفيا ستقف في صمت أمام معالم الفن الإسلامي المنتشرة، ومن بينها الكتابات المنقوشة التي أبدعها الخطاطون الأتراك للفظ الجلالة واسم الرسول صلى الله عليه وسلم وكذا الخلفاء الراشدين بألوان الذهب.
ومن داخل آيا صوفيا ستقف في صمت أمام معالم الفن الإسلامي المنتشرة، ومن بينها الكتابات المنقوشة
وعندما تنظر إلى الأرض خلال هذه الجولة التى لن تنساها ذاكرتك سترى لوحات فنية مرسومة بأجمل أنواع الرخام الذي جمع من مناطق مختلفة من العالم لتزيين المكان وأعمدته بهذا الشكل المتميز، ولك أن تعلم أن هذا المتحف باعتباره نموذج عالمي فريد يجمع ما بين الثقافة الاسلامية والمسيحية يجذب الآلاف من كافة أنحاء العالم للتعرف على القصص والروايات التاريخية التي تحتضنها الكنيسة، المسجد، المتحف، ولعل الزائر للوهلة الأولى سيحتار في تصنيف المتحف ما بين المسجد برموزه والكنيسة بصورها التي تكسو الجدران.
وفي الزاوية الجنوبية من المتحف توجد منارة تخطف الأبصار، كما يوجد العديد من النافورات التي أنشأها محمد الفاتح بغرض الوضوء، ويبدو أن أشكال هذه النافورات يستدعي إلى ذهنك روعة هذا العصر وإنجازاته التي تبدو جلية في كل جانب من جوانب المكان الذي يكاد ينطق بعظمته وبتصميمه المهيب.
وفي الزاوية الجنوبية من المتحف توجد منارة تخطف الأبصار
ويحلو لزائري المتحف التقاط الصور التذكارية بين جنباته التي تعود لقرون مضت، خاصة أن الإضاءة التي تتيحها القبة الرئيسية، والفتحات الموجودة في البناية تسمح لهم بتسجيل ذكرياتهم على هذا النحو في ذلك المكان الخالد بتاريخه وآثاره