السياحة المهدورة في العراق

 

منح الله العراق نعما كثيرة وخيرات لا يمكن عدها ، نهران كبيران يجريان من شمال البلاد إلى جنوبه ، وأرض شاسعة متنوعة التضاريس من جبال عالية ومروج وسهول وصحراء ووديان ، كما منحه الله ثروات معدنية كبيرة ، وتاريخ طويل من الحضارات التي أبدعها إنسان وادي الرافدين :الحضارة البابلية والسومرية والآشورية ،بالإضافة إلى تراثه المجيد في الحضارة الإسلامية،حيث كانت بغداد عاصمة الدولة العباسية وقبلة العلم والمعرفة ، يأتيها الناس من أبعد الأماكن لينهلوا آخر ما توصلت إليه عبقرية الإنسان من معارف وعلوم ،وما وصلت إليه المواهب من تطورات وابتكارات، في ميادين العلوم والآداب والفنون ، كل هذا الكنوز الموجودة في أرض العراق الجميلة كان يمكن أن تخلق منه قبلة للسياحة العالمية ،يقصدها الناس من مختلف أرجاء المعمورة كي ينعموا بأيام من جمال العيش ومنعة النظر ، والتعرف إلى عوامل الإبداع البشري، وأسباب انبثاق الحضارات وسطوع شمسها ، ولكن النجم قد أفل ، والشمس غابت ، والخصوبة قد ولّت وهجرت هذه الدار، بعد أن أدركها الذبول، ولم تجد العناية التي تستحقها من أياد مجبولة بالعطاء الجميل، والعمل النافع تقدمه لأبناء وطنها ولإخوانها في مضمار الإنسانية كل تلك النعم اندثرت وأشرفت على الزوال ،بسبب السياسة الارتجالية التي اتبعها النظام السابق ، فتم تجاهل حاجات البلاد الأساسية ، واتبعت سياسة الاضطهاد مما دفع الكثير من خيرة أبناء البلاد إلى الهجرة طوعا أم كرها ، وأفقرت البلاد وضاعت خيراتها، وفقدت عملتها احتياطيها الكبير، بسبب الحروب الكثيرة العبثية التي أشعلها النظام ، وأهدر الطاقات و أذل النفوس، وغيّر من طبيعة أهل البلاد ، وهجر ت النواحي الكثيرة التي تهتم بمصلحة الوطن، وترعى المواطنين مثل الزراعة والصناعة والطب، والعناية بالغذاء وترفيه الناس، ورعاية صحتهم النفسية والجسدية ، أصبحت الحروب وإشعالها ضد الجار والصديق، والتنكيل بأبناء الوطن ،الشغل الشاغل للحكام ، فحلّ الفقر المدقع والفاقة اللئيمة، بقطاعات واسعة من أبناء الشعب ، وانعدمت قدرة الطبقة الوسطى على التكيف مع الغلاء الفاحش ،وحين سقط النظام بأيدي القوات الأمريكية وسرقت كنوز العراق التاريخية وأبعد العلماء ، واتبعت السياسة الطائفية، في تفريق الشمل وتبديد القوة ، وأصبح العراقيون طوائف عديدة يتحاربون بينهم ، و استطاعت المليشيات المسلحة أن تساهم في تفتيت الوحدة الوطنية، التي عرف بها العراقيون ، منذ قديم الزمان ، ولكن بعد ان أدرك العراقيون انه لا أمل يرتجى ، من التحارب بينهم وانه من الصائب لهم، ان يتوحدوا ويلموا صفوفهم ،لأنه ما خابت الأقوام المتحالفة ولا ضعفت الأمم المتآزرة ، أصبح من أكبر المهام التي يجب أن يضطلع بها الشعب والحكومة معا، ان يهتموا بالحركة السياحية في العراق وان يجعلوا من البلاد أرضا جميلة، وحديقة غناء يقبل على السفر إليها الناس من أطراف المعمورة للتمتع بمناظرها الجميلة وأهوارها المتلألئة بالبهاء ، ونهريها الفضيين الجاريين على أديم تربتها الخصبة ، ومشاهدة آثارها التاريخية ،ومعرفة معالم حضارتها وقدرة أبنائها الأبرار الذين استطاعوا أن يقدموا للبشرية ، العلم والنور والقوانين الكثيرة المنظمة للعلاقات بين البشر ،التي تدل على إنهم عرفوا فائدة التنظيم في الحياة ،وكيفية التوازن بين واجبات الفرد وحقوقه ، كل هذه الأمور تجعل المتابع لما جرى ويجري في بلاد الرافدين ، لا يدع التشاؤم يستولي عليه حين يطلع على قلة فرص الأمن في تلك البلاد الجميلة، وقلة الخدمات التي يسعى إليها المواطنون ،من توفير الماء النقي، والكهرباء المنيرة ، التي تشغل عليها الأدوات المختلفة ، فعودة إلى منابع العطاء والاهتمام بالجوانب المعاشية للمواطنين، ورعاية الزراعة والصناعة والعناية بالطب وصناعة الدواء ، والاهتمام بالعلم ومنحه الرعاية التي يستحقها ، والتخفيف من كثافة البطالة التي تخيم بظلالها المظلمة، على الواقع العراقي ، وتزيد من معدلات الجريمة ، ونجاح الإرهابيين في الحصول على جيوش من المرتزقة ، كل هذه الأمور ان تمت دراستها وفق الأسس الصحيحة من قبل أخصائيين ،يهتمون بمصلحة العراق ومستقبل العراقيين في وطن يمكن أن يكون جميلا ،إن تضافرت جهود الخيرين من اجل هذا الغرض النبيل والاهتمام بالسياحة من أهم الميادين التي يجب أن يرعاها المواطنون والحكومة معا ، لما لها من فوائد جمة في تقليص حجم البطالة ، وتوفير فرص العمل الصالح لمن يسعى إليه وإعادة هيبة البلاد، التي سلبت نتيجة العمليات الإرهابية التي حدثت ، فقيام السياح العرب والأجانب، إلى القدوم إلى بلاد جميلة ذات ارث حضاري كبير، مثل العراق يضيف إلى القادمين ثقافة راقية ،ويعرفهم بطبيعة أرض معطاء وشعب أصيل ، فكيف يمكن الاهتمام بالسياحة العراقية ، وما هي المواقع السياحية التي يجب أن تنال الاهتمام الكبير ؟ بالإضافة الى وجود أقدم الحضارات في العراق ، فان هناك جوانب أخرى يجب العناية بها مثل النهرين الخالدين ، وعودة المياه إلى جريانها المهيب، والأرض الزراعية التي درت الخيرات ، يجب أن يعمل الجميع على إعادة الخصوبة إليها ، والمصانع العراقية التي ازدهرت في فترة من الزمن، ثم طالها الإهمال ككل الجوانب الأخرى ، يجب أن يعتنى بها ، وجبال كردستان وأهوار الجنوب ، وطبيعة أهل البلاد المتصفين بالكرم ، وحسن استقبال الضيوف كل هذه الأمور يمكن ان تجعل من العراق قبلة للسياح.

 ميادين السياحة في العراق :

يتوفر العراق على جوانب كثيرة وغنية يمكن أن تدر عليه ثروات كبيرة ان جرت العناية بها

1.     السياحة الأثرية

·        أور: يعود تاريخها إلى الألف الخامس قبل الميلاد وتقع قرب مدينة الناصرية.

·        بابل وتقع قرب مدينة الحلة.

·        نينوى ونمرود وتقعان قرب مدينة الموصل

·        الملوية في سامراء

·        طاق كسرى وتقع قرب بغداد.

2.     السياحة الدينية :

توجد الكثير من الأضرحة والمزارات للطوائف الإسلامية المختلفة، وهناك الكثير من المقامات والمزارات للأولياء والعلماء والمتقين المسلمين. كما توجد الكثير من الكنائس وبيوت العبادة للأديان المخالفة في العراق ، والتي تدل على التعايش الذي عرفه العراقيون بين معتنقي الديانات المتعددة.

مزارات الأنبياء :

·        في العراق عاش نوح (ع)، وفيه جرت قصة الطوفان

·         كانت رحلة إبراهيم (ع) إلى الديار المقدسة. حيث أنشأ بيت الله الحرام

·        مقامان احدهما للنبي يونس و والثاني النبي شيت (ع) في الموصل.

·         مقام النبي أيوب

·        مقام النبي عزير(ع) في العمارة.

وان كانت السياحة الدينية شبه متقدمة في العراق ، لقيام أفواج كبيرة من الزوار لزيارة الأماكن المقدسة فيها ، إلا إن هذه السياحة قد نالها الإرهاب ، اسوة بمرافق البلاد المختلفة ، فعمل على تقليص عدد السياح خشية عنى حيواتهم التي كانت تهددها السيارات المفخخة والأحزمة الناسفة ، مما يضع الجميع أمام مسؤولياتهم ، بالمحافظة على جانب مهم وأساسي من جوانب السياحة العراقية ، وأن يحرصوا على توفير الأمن، الذي لا يمكن
أن نحلم بأي تقدم أو ازدهار بعيدا عن ذلك المطلب الكبير، الذي تتوقف عليه الكثير من الأمور.

3.     الأهوار :

في التسعينات من القرن الماضي، دمرت الاهوار بعد الانتفاضة الجماهيرية، التي اندلعت بعد تحرير الكويت من احتلال قوات النظام السابق ، تم تجفيف مياهها فقلت الكائنات الحية ، وقامت الحكومة بترحيل السكان المحليين منها ، ومن الواجب العمل على استعادة الحياة في الاهوار وتطوير حياة السكان فيها اجتماعيا واقتصاديا وإعمار التجمعات المائية وتطوير العمل الزراعي والصيد، وتربية المائيات التي تعيش في بيئة الاهوار في ظروف مؤاتية وتربية المواشي والعمل على إنتاج الألبان وتطوير الصناعات القائمة عليه وتوفير الرعاية الصحية ، ومكافحة الإمراض، التي يمكن ان تكثر في مثل تلك اليئات، وجعلها من المناطق السياحية التي يقدم عليها الزوار لطبيعتها الخلابة.

4.     المتاحف :

تمت سرقة الآثار العراقية بشكل مقصود ، لم يسبق له مثيل ، وهناك جهات عديدة حرصت على أن يبدو المواطن العراقي بصورة منافية لحقيقته ، فالشعب العرقي لم يسرق آثار بلاده كما يشيع لذلك بعض المغرضين ، إنما عمل المواطنون على السهر لإعادة بعض تلك الآثار ،لما لها من أهمية كبيرة حضارية وتاريخية ، تمثل حقبة زمنية كاملة بكل مقوماتها ، وقد تعاونت عدة جهات لإعادة التحف المنهوبة ، يأتي في المقدمة منهم المواطن العراقي الحريص على حضارة وطنه ، ووزارتا الداخلية والخارجية بذلتا جهودا كبيرة ومتابعة قانونية ،وكذلك وزارات السياحة والآثار والثقافة من خلال المطالبة بإعادة الآثار العراقية ، وقامت اليونسكو بنشر قائمة بالآثار المسروقة وعممتها ومنعت المتاجرة بها ،وبذلت الشرطة الدولية جهودا كبيرة في تعقب الآثار وان العمل على إعادة الآثار العراقية إلى متاحفها مسؤولية أخلاقية ، يجب ان يضطلع بالقيام بها جميع الجهات الحكومية والشعبية.

5.     القصور الرئاسية :

عمل النظام السابق على إنشاء القصور الكبيرة ، بأموال العراق الطائلة ، مما يجعل عقل الإنسان يقف متمعنا في قدرة النظام، على التمتع بمباهج الحياة وملذاتها، وأموال جاءت من عرق أبناء الشعب وكفاحهم ، لكنهم حرموا منها ، بسبب سياسة التجويع ، ليكون أفراد قلائل حريصين على إطالة أمد معاناة الجماهير، وزيادة الأهوال التي يتعرضون لها في حياتهم البائسة ، فمضى الحكام يبنون القصور الهائلة، وكانهم سوف يعيشون أبد الدهر ، وهذه القصور من الضخامة وكأنها مدن أسطورية ، تتوفر فيها كل ما يحتاج إليه الإنسان ، بعيدا عن الأرض، وعن متاعب من يشقى ويكدح ويحلم باليسير ، هذه القصور التي صرفت عليها الملايير من الدولارات، يمكن أن تكون موضع ترحيب السياح ، وإقبالهم على زيارتها والاستفادة من آيات الفن ، وروعة العمران ، وتعلم الدروس والعظات، من ان نهاية الطغاة لابد ان تكون وشيكة، مهما كانت قصورهم بعيدة المنال.

الواقع السياحي في العراق :

شهدت البلاد بعض الاهتمام في منتصف السبعينات، بإقامة العديد من الدور السياحية والمجمعات والمرافق، وبناء الفنادق الضخمة، والمشاريع السياحية العملاقة، بالاتفاق مع الشركات الأجنبية المتخصصة ،وإدخال الكفاءات العراقية في تنفيذ وتشغيل المشاريع ونتيجة الظروف الصعبة التي مر بها العراق ابتعدت الكثير من الكوادر السياحية عن مجال الاختصاص، مما عرض الدولة الى خسائر جسيمة.

والأمر الذي يثير الاستغراب، هو عدم معرفة أهل البلاد، لحقيقة المواقع السياحية ،التي تتمتع بها بلادهم وهناك حقيقة مؤلمة إن السائح الأجنبي يعرف الآثار العراقية أكثر من أصحابها ، وحتى أكثر من أدلائنا السياحيين..
أثرت الحروب الكثيرة،التي خاضها العراق على السياحة ، كما أثر الحصار الطويل ، ودام الوضع السيئ بكثرة العمليات الإرهابية، وانعدام الأمن في ربوع البلاد. وعدم الاعتماد على المختصين،في هذا الميدان الحيوي والمهم ، أدى إلى دخول الكثير من البعيدين عنه ، فتزايد عدد الدخلاء وغير المجازين على هذا المضمار.
كما إن قلة المصادر السياحية التي يوفرها المسئولون ، لتعريف السائح على معالم البلاد الأثرية والترفيهية ،أحد الأسباب المهمة في ابتعاد السياح عن القدوم إلى العراق نحتاج الى التخطيط المنظم ،ودراسة إمكانيات استقبال السياح، وتوفير ما يحتاجون إليه من مستلزمات ، لا تكون عملية السياحة ناجحة بدونها، مثل وجود دائم للكهرباء والماء والمواد الضروري توفرها في الفنادق.

ومما تعاني منه السياحة في العراق هو عدم وجود الدعم المناسب ، يفتقر المجال إلى الإعلام القوي والدعاية السياحية ، كما يعاني من قلة التسويق ، ولا يحضر العاملون في مرافق السياحة المؤتمرات السياحية والندوات ،ولا يشاركون في المعارض ، وكل هذه الأمور يمكن ان تقوي من السياحة في العراق،وتجعل أفواجا من السياح يقدمون للسفر إليه ، فيجب ان يهتم المسئولون عن السياحة بإعادة دراسة منح إجازة الأدلاء السياحيين، واختيارهم على أساس الثقافة والخبرة ، كما على القائمين على وسائل الإعلام، من صحافة ومذياع وتلفاز، أن يعملوا على تقوية الوعي السياحي، لدى الجماهير الشعبية ، وان تتوفر مناهج التعليم على إعطاء مبادئ أساسية للتلاميذ، ومنذ سن الابتدائية، بضرورة العناية بالسياحة ، وتعريفهم بأهمية هذا الجانب المهم ، الذي أصبح من المجالات الحيوية في حيوات الشعوب ،وسبل تحسين طرق دخلها ، وزيادة معلوماتها والعمل على تثقيفها.

مستقبل السياحة :

أصبحت جميع الدول تهتم بجانب السياحة، وتوليه الاهتمام المناسب ،بعد ان أدركت ، ما للسياحة من أهمية كبيرة، في حياة الأفراد والشعوب ، فهي تشكل مصدرا اقتصاديا مهما ، يدر مبالغ كبيرة ، تستفيد منها الدول، في إحداث النهضة الفكرية والتنموية، والعناية بالإنسان تعليما وثقافة وصحة ،وراحة نفسية وجسدية ، وان كانت بلادنا متخلفة في هذا المضمار ، فان طموحاتنا كبيرة بإمكانية تجاوز هذا الضعف، الذي تعاني منه البلاد ، بالعمل جميعا مؤسسات وأفرادا للنهوض بالعملية السياحية ،و إزالة ما يعترض طريقها من عقبات ، بان يتم الاهتمام بكل جوانب السياحة في البلاد، وعدم الاقتصار على أحد الجوانب منها، دون الأخرى ، وان يتعاون العراقيون بالداخل والخارج ، للتعريف بالإمكانات السياحية للبلاد ، إعلاميا وتوجيه الاهتمام إلى الاستثمار السياحي، من بنى تحتية ومشاريع كبيرة ، تتضمن الفنادق ومؤسسات النقل ومتنزهات، وملاعب وأسواق للتعريف بمنتجاتنا الوطنية ، وتسويقها.. كما يجب الاهتمام بالنهضة الفنية، من مسارح واحتفالات أدبية شعرية ونثرية وثقافية وفي مجال البحوث، وفنون وصناعة.

 

ولأن الحروب الكثيرة،والحصار الطويل والتدخل الأمريكي وظهور الحروب بين الطوائف وبشاعتها ،وسياسة التهجير، قد غيرت من طبيعة أهل البلاد ، فيجب السعي لإعادة القيم النبيلة التي عرفت عن العراقيين،مثل الأمانة والعناية بالضيوف وإكرامهم ، والتحلي بالخلق الكريم حين استقبال السياح ، والنظر إلى السياحة بأنها حلقة حضارية ضمن سلسلة مترابطة من الحلقات ، يجب أن لنال ما تستحق من رعاية، كي ينهض العراق مجددا من العثرات الكبيرة التي يسعى البعض إلى إيقاعه في طريقها ، والنفط ثروة زائلة، آيلة للنضوب ، ومن حق العراق وأجياله الصاعدة ، ان يتم البحث عن بدائل.