نظريات تكوين النفط
*البترول اصله وتكوينة
كلمة بترول هي مصطلح لاتيني مشتق من الكلمة اليونانية “Petro” ومعناها الصخر، والكلمة الرومانية “Oleum” وتعنـي زيتا، أما الكلمة العربية للبترول فهي “نفط” وهو اسم أطلقه عليه البابليون والآشوريون، ويعود تاريخ معرفة البتـرول إلـى أكثر من ستة آلاف سنة، فقد استخدم البابليون والآشوريون الإسفلت في طلاء خشب السفن لوقايته من التفتت في الماء. كما استخدم اليونانيون الإسفلت –أيضاً- في بناء بعض معابدهم، والتي تعود أعمارها إلى أكثر من أربعـة آلاف سـنة. وأمـا المؤرخون العرب والمسلمون فقد كتبوا عن مشاهدة قطع اسفلتيه كانت تطوف فوق سطح مياه البحر الميت، وأكد ذلك وجود معاهدة مكتوبة بين قدماء المصريين والفلسطينيين يجري بموجبها بيع الإسفلت من الفلسطينيين إلى أهـالي مصـر، وكـان يدعى بالإسفلت الأحمر أو “الموميه” بسبب استخدامه في العمليات الطيبة وبخاصة في عمليات التحنيط. وكان هناك ما يسمى بالنار الأبدية، وهي البترول الذي كان يظهر على السطح، ويبقى مشتعلاً، وقد نجح بعض الكهنة فـي توصيل البترول إلى المعابد بواسطة أنابيب رصاصية حيث استخدموه كمصدر للطاقة لإشعال النار الأبدية التي اعتقدت بها شعوبهم. وقد عرف اليونانيون القدماء أن البترول يتكون من مواد عضوية مختلفة، وتعرفوا إلى طرق فصل هـذه المـواد ومعالجتها، وكثرت فيما بعد الآراء حول أصله، وطريقة رواسب النفط، مما أدى إلى ظهور مئات النظريات التـي تنـاقش الظروف الطبيعية التي تكون فيها، والمادة الأصلية التي تسببت في تكوينه على مر السنين. وإذا أردنا تصنيف تلك النظرات والآراء العديدة، نجد أن مضمونها العام يشير إلى أصل التكوين اللاعضوي، وأخرى ترجح الأصل العضوي للـنفط وهـي الأكثر قبولاً وانتشاراً.
النظريات اللاعضوية:
وضعت هذه النظريات وتطورت في البلاد التي يتواجد فيها البترول في صخور غير رسوبية (صخور نارية) مثل منـاطق روسيا ووسط السويد، وقد اعتمد أصحاب هذه النظريات على عدة ظواهر طبيعية، منهـا وجـود كميـات مـن غـازات الهيدروكربونات في الأجزاء المحيطة بالأرض وبالكواكب الأخـرى، وبخاصـة تواجـد الميـاه المحتويـة علـى غـاز الميثان(CH6) بالإضافة إلى خروج غازات هيدروكربونية مع البراكين أو نتيجة تفاعل كربيدات المعـادن المختلفـة فـي الصخور النارية مع الماء، وكذلك وجود رواسب نفطية قريبة من بعض الينابيع الحارة. ومن أهم النظريات التي تناقش الأصل اللاعضوي للنفط ما يلي: –
النظرية الفضائية:
بنيت أفكار هذه النظرية اعتماداً على المعلومات الواسعة التي توصلت إليها أبحاث الفضاء الحديثة حـول كواكـب الأرض والمجموعة الشمسية، وعما يكمن في مجال الأرض، مما حدا بأحد العلماء بأن يعتقد بأن المجال الهوائي حول الأرض مثله مثل باقي الكواكب، كان يحتوي على نسبة من غازات هيدروكربونية تكثفت فيما بعد، وبعمليات كيميائية طبيعية مثل البلمرة تحولت إلى مواد هيدروكربونية نفطية اختزنت في الصخور. ولو صحت هذه النظرية لكان هناك توزيع منتظم لرواسب النفط في صخور القشرة الأرضية وتركيز عالٍ لمخزون الـنفط في تكوينات الصخور الجيولوجية القديمة وبخاصة الصخور النارية منها، فيما نجد في الحقيقة أن ٩٩% تقريباً من الرواسب النفطية المكتشفة مخزونة في الصخور الرسوبية.
– نظرية الغازات القلوية:
افترض عدد من الباحثين أن هناك فلزات قلوية حرة في باطن الأرض تتفاعل مع ثاني أكسيد الكربون، وتحت تأثير الضغط والحرارة تتكون هناك كربيدات تتفاعل بدورها مع بخار الماء لتنتج الأستلين (CH6) والذي يتحول بعمليات البلمرة وتحـت تأثير حرارة عالية إلى بنزين (C6H6) ومنه تتكون هيدروكربونات معقدة التركيب تشبه النفط في تركيبه الكيميائي. وعلى الرغم من صحة هذه النظرية كيميائياً إلا أن الظروف التي تتم فيها التفاعلات لا تأتي إلا مع أعماق تصل إلى مئـات الكيلومترات في القشرة الأرضية، وعندئذ يصعب وجود مسامات أو شقوق صخرية يصعد خلالهـا الـنفط إلـى الأعمـاق الاقتصادية التي يتواجد عليها، فهي بذلك نظرية تغفل الجوانب الجيولوجية الطبيعية لتواجد النفط.
– النظرية البركانية:
يعود أساس هذه النظرية إلى تواجد بعض الرواسب الهيدروكربونية (النفط) في صخور ناريـة، وإلـى تصـاعد غـازات هيدروكربونية من الينابيع الحارة، وضمن غازات النشاط البركاني، إلا أن العلماء الباحثين في مجال الصخور النارية، أثبتوا إن الرواسب هيدروكربونية المحفوظة في داخلها تعود في أصل تكوينها إلى تلك الصخور الرسوبية المحيطة بها. من جهة أخرى افترض عدد من العلماء أن أصل تكون النفط الموجود في الصخور الرسـوبية هـو الميثـان والاسـتلين وهيدروكربونات بسيطة أخرى من الماغما القاعدية (Basic Magma)، ولكن دون تفسير أو تحديد للظـروف الكيميائيـة التي تمت فيها العمليات التفاعلية، والتي تحولت خلالها الهيدروكربونات البسيطة إلى هيدروكربونات معقدة (البترول) فـي طبقات رسوبية ليست عميقة.
– النظريات العضوية:
تطورت دراسات البترول مع مرور الزمن وأفادت بأن ٩٩% من رواسب النفط تقريباً تتواجد في الصخور الرسوبية التـي تدفن فيها الكائنات العضوية أثناء الترسيب في الأحواض، كما أشارت أن أصل البترول عضوي، يتكـون مـن الأحمـاض الدهنية والأمينية الموجودة في أجسام الكائنات الحية، ودليل ذلك، وجود هياكل لجزئيات بروتين الدم ومواد كلورفيلية، وقـد أثبتت بعض الدراسات بأنه قد توجد في الحقل الواحد أكثر من ٢٤٠ مركباً لمواد بتروكيماويـة، كمـا تكـون المركبـات البتروجينية (الازوتية) واليوروفين جزءاً من تركيب النفط وهي في الوقت نفسه تتواجد فـي خلايـا الكائنـات العضـوية الحيوانية والنباتية. بالإضافة إلى ذلك نجد أن البترول يتصف بخاصية النشاط الضوئي التي تتميز بها الكائنـات العضـوية وذلك نظراً لوجود مركب الكولسترول (C26 H45 OH) العضوي بين مكونات النفط.
بناءً على هذه الأسس والملاحظات انطلق العلماء والباحثون إلى ترجيح الأصل العضوي للنفط، وارتباط تكونـه بالكائنـات العضوية، إلا أنهم اختلفوا في أصل المادة الأولية التي تكون منها النفط، لهذا أصبح هناك من يؤمن بالأصل النباتي فقط، أو الحيواني فقط، ولكن الكثير منهم أيدوا الأصل المشترك من نباتات وحيوانات. وقد نشأت لذلك النظريات العضوية وملخصها ما يلي
نظريات الأصل النباتي:
لاحظ العلماء أن هناك كميات من الطحالب والبكتيريا وحبوب اللقاح تتواجد في الطين القابل للاشتعال بسبب احتوائه علـى آثار نفطية، كما استطاع أحد الباحثين استخراج مواد هيدروكربونية تشبه في تركيبها المواد النفطية، وذلك عن طريق تقطير نبات الدياتوم (Diatm) الذي ينمو بكميات كبيرة في أحواض الترسيب، وعلى الرغم من هذه المشـاهدات إلا أن النباتـات البحرية وحدها لا تكفي لتكوين كميات هائلة من الرسوبيات النفطية التي ما زالت تشكل احتياطاً هائلاً في كثير من البلـدان إلى جانب ما اكتشف حتى الآن.
– نظرية الأصل الحيواني:
ظهرت هذه النظرية بعد أن أثبت أحد الباحثين بأن الشحوم الحيوانية تتحول إلى مواد هيدروكربونية عند تسخينها إلى ٤٠٠ درجة مئوية، وقد أجريت على شحوم الحيتان حيث افترض العلماء بعد ذلك أن الأسماك هي أصل المواد الهيدروكربونيـة المكونة للبترول، إلا أنه ما يمكن أن تعطيه هذه الأسماك من مواد نفطية بعد دفنها وتعرضها إلى درجات حـرارة وضـغط عاليين تعتبر كميات ضئيلة بالمقارنة مع الكميات الكبيرة من الرواسب النفطية المخزونة والمكتشفة.
– نظرية الأصل المختلط:
رجح معظم العلماء أن أصل البترول العضوي، إنما هو من كائنات حية نباتية وحيوانية، وأشاروا إلى تكون النفط من أيـة مواد عضوية سواء أكانت نباتية أم حيوانية وذلك عندما تترسب وتدفن مع الصخور الرسوبية في أحواض الترسـيب التـي تنطبق عليها الشروط الملائمة لتكوين النفط، عندئذ تتحول المواد إلى نفط يختلف في مواصفاته من مكان إلى آخـر نتيجـة لتفاوت تأثير عوامل التفسخ والتحلل، ومداها الزمني، وطبيعة درجة الحرارة والضغط على حوض الترسيب، وما يلي ذلـك من عمليات التكوين، ومن هجرة، وحركة النفط إلى أن يتجمع في مكامن ومصائد صخرية ملائمة.
مراحل تكوين البترول:
تتراكم المواد العضوية في أحواض مغلقة ذات بيئة مختزنة أو سامة ينقطع فيها الاتصال مع مياه البحـار، فترتفـع بـذلك ملوحة مياه تلك الأحواض، مما يسبب موت الكائنات الحية، فتهبط بالتالي إلى القاع وتترسب مع المكونات الطينية.
تتحلل الكائنات العضوية المترسبة مع الطين بمساعدة البكتيريا اللاهوائية، وتختلط نتائج التحلل مع حبيبات الطين ثم يحصل بينهما تبادل في العمليات الفيزيائية والكيميائية تؤدي إلى امتصاص المواد المتحللة، وتغير في بنيتها التركيبية، ومع استمرار التفسخ والتحلل بواسطة البكتيريا وملوحة المياه والضغط والحرارة يتحول خليط الهيدروكربونات المتكون مع الطين والمـاء إلى ما يسمى بالسابروبليت (Sapropelite) والذي يعتبر الصخر الأم للنفط. وباستمرار الترسيب في الحوض يزداد الضغط على السوائل المتجمعة في الصخر الأم للنفط (Sapropelite) مما يـؤدي إلى خروجها تاركة في الحوض رسوبيات طينية سوداء تحتوي على آثار نفطية، ونتيجة لفرق الضغط فوق هذه الرواسـب تتحرك مع الماء فقاعات من الغاز أو نقاط من البترول وتنتقل من صخر إلى آخر حتى تصل إلى مكمن أو مصيدة تعيق من حركتها فتتوقف ويكون البترول