مستقبل العراق السياسي في ظل المتغيرات الاقليمية والمحلية والدولية الراهنة
عقدت سكول العلوم السياسية والاجتماعية في جامعة السليمانية وبالتعاون مع منظمة نفار لتنمية ثقافة الديمقراطية في جمجمال وجامعة التنمية البشرية في السليمانية
المؤتمر العلمي السنوي الثالث تحت عنوان (مستقبل العراق السياسي في ظل المتغيرات المحلية والاقليمية والدولية الراهنة) للفترة من 15 – 17 /5/2012 . وقد توزعت جلسات المؤتمر طيلة ايام انعقاده بين قاعات (مونمينت الانفال) وسكول العلوم السياسية والاجتماعية في جمجمال وقاعة كلية العلوم السياسية في جامعة السليمانية بحضور ومشاركة العديد من المسؤولين في حكومة اقليم كردستان تقدمهم معالي وزير التعليم العالي في الاقليم وعدد من اعضاء برلمان اقليم كردستان ومحافظ السليمانية وعدد من المسؤولين فيها الى جانب باقة من الاساتذة والباحثين من مختلف الجامعات العراقية وجامعات اقليم كردستان العراق . حيث قدم للمؤتمر أكثر من (30) بحثا” عرض منها في جلسات المؤتمر (22)بحثا” تناولت مختلف محاور المؤتمر لاسيما ما يتعلق بمستقبل التجربة الديمقراطية والعملية السياسية في العراق والعوامل المؤثرة بهما .
وكانت أولى جلسات المؤتمر يوم 15/5/2012، برئاسة الاستاذ الدكتور فكرت نامق من جامعة بغداد حيث كان البحث الاول الذي عرض للمناقشة للدكتور مهدي جابر مهدي من جامعة صلاح الدين في اربيل وكان بعنوان مستقبل الديمقراطية في العراق حيث كان رأي الباحث بان الخوض في قضية الديمقراطية ينبغي أن يكون عبر المؤسسات الفاعلة والمشاركة النشطة وزيادة دور المجتمع والفرد في الضغط باتجاه دمقرطة النظام السياسي وعدم الاكتفاء بدور المراقب. أما البحث الثاني فكان للدكتور علي دريول رئيس مركز الدراسات الفلسطينية في جامعة بغداد وكان بعنوان العملية السياسية في العراق الطبيعة والمشكلات التي تعترضها .حيث أكد الباحث على أن العملية السياسية تنازعتها ظروف الاحتلال الامريكي وواقعه ، لذلك كله لم تكن دراسة العملية السياسية في العراق سهلة حيث انها ومنذ البداية تجاذبتها معطيات الداخل التي يسعى النظام السياسي العراقي من خلالها الى ردم الفجوة بين قواه السياسية من اجل الحد من اثارها السلبية. اما البحث الثالث في الجلسة الاولى فكان بعنوان اشكالية بناء دولة المواطنة في العراق للدكتور اياد خلف حسين العنبر مدرس الفكر السياسي في جامعة الكوفة حيث حاول الباحث من خلال ورقته البحثية اثبات فرضية مفادها أن مفهوم المواطنة يتطلب وجود دولة وليس كيانا” سياسيا” يتعثر في طريق التحول الى دولة .
اما الجلسة الثانية للمؤتمر فكانت برئاسة الاستاذ الدكتور عبد الغفور كريم علي استاذ القانون الدولي في جامعة كويه ن وانبرى لعرض بحثه فيها الأستاذ الدكتور فكرت نامق من جامعة بغداد وكان بعنوان العراق والفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة – الخيارات ، والذي أكد فيه أن المنظمة الاممية لا يمكن أن تمارس اي دور أو فعل تجاه العراق بعيدا” عن ارادة الدول الاعضاء ولاسيما الولايات المتحدة الامريكية المهيمنة على النظام السياسي الدولي وبالتالي على مجلس الامن وان الاتفاقية الامنية بين العراق والولايات المتحدة الامريكية قد حولت الوجود الاجنبي المحتل الى وجود قانوني مشروع تحت ستار اتفاقيات الصداقة والتعاون بعد ان اقامت واقعا” شرعت فيه للأمريكي على الارض العراقية الوجود والنفوذ والعمل خارج القانون العراقي . اما البحث الثاني في هذه الجلسة فكان للدكتور جاسم الحريري استاذ العلاقات الدولية في جامعة بغداد وكان بعنوان دول مجلس التعاون الخليجي والعراق بعد الانسحاب الامريكي والذي خلص فيه الى أن دول مجلس التعاون الخليجي مقبلة على صفحة من العلاقات مع العراق قد تظهر فيها العديد من التطورات التي من شأنها أن ترمم العلاقات او تأخرها ، وهذا الامر مرتبط بمجمل التطورات الاقليمية التي قد تحصل في المستقبل ولعل من ابرزها ملامح المواجهة العسكرية المتوقعة بين طهران وواشنطن وتل ابيب على خلفية الملف النووي الايراني.
الجلسة المسائية والثالثة في المؤتمر كانت برئاسة الاستاذ الدكتور مهدي جابر مهدي من جامعة صلاح الدين في اربيل وتضمنت مناقشة اربعة بحوث ، أولها كان للدكتورة اسراء علاء الدين نوري من جامعة النهرين في بغداد والموسوم اختصاصات وسلطات الاقاليم والمحافظات وعلاقتها بالحكومة الاتحادية حسب دستور عام 2005 ، حيث اشارت الباحثة الى أن هناك مخاوف حقيقية تقف أمام تطبيق الفيدرالية منها التخوف من ارتباط بعض الاقاليم بجهات خارجية أو تدخل بعض الاطراف الخارجية لاسيما دول الجوار الجغرافي للعراق . أما البحث الثاني في الجلسة فكان للباحث طالب الدكتوراه يوسف محمد صادق من سكول العلوم السياسية جامعة السليمانية وكان بعنوان تحديات العملية الديمقراطية في النظام السياسي لإقليم كردستان العراق والقي البحث باللغة الكردية حيث ناقش الباحث طبيعة الحكم في اقليم كردستان وتأثير العلاقات الحزبية بين الحزبين الحاكمين الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني على مؤسسات الحكم في الاقليم متطرقا” الى مظاهر ومعوقات العملية الديمقراطية في الاقليم . أما البحث الثالث في الجلسة فكان بعنوان خيارات العراق القادم : قراءة في فرضيتي الفدرالية والتفكك، وهو بحث مشترك بين الدكتور خضر عباس عطوان من جامعة النهرين والدكتورة شيماء معروف من مركز المستنصرية للدراسات العربية والدولية وقامت بعرضه الدكتورة شيماء ، حيث تناول البحث اشكالية العلاقة بين طبيعة وشكل النظام السياسي الذي طبق في العراق من جهة والفاعلية والاستقرار السياسيين من جهة اخرى ، وتأثير ذلك كله في المسارات المتوقعة لمستقبل الدولة العراقية . أما البحث الرابع في الجلسة المسائية فكان بعنوان الاتجاهات المستقبلية للنظام السياسي في العراق الفرص والبدائل المتاحة للدكتور عماد علو من المركز الجمهوري للدراسات الامنية والاستراتيجية والذي خلص فيه الى أن الاتجاهات المستقبلية لشكل النظام السياسي العراقي تبدو محصورة في ثلاث خيارات هي : توافق القوى السياسية العراقية على الابقاء على النظام الفدرالي الحالي . أو تشكيل نظام سياسي لامركزي من خلال اعطاء صلاحيات أوسع للأقاليم والمحافظات . أو قبول القوى السياسية بمشروع التقسيم وترك فكرة الدولة العراقية الموحدة.
في صباح يوم 16/5/2012 باشر المؤتمر اعمال جلساته في قاعة مبنى سكول العلوم السياسية في قضاء جمجمال وكانت الجلسة الاولى برئاسة الدكتور واحد عمر محي الدين من سكول العلوم السياسية جامعة السليمانية وتضمن مناقشة ثلاثة بحوث كان أولها للأستاذ الدكتور عبد الغفور كريم علي من جامعة كويه ، والموسوم الخيار الديمقراطي والتحديات التي تواجهه / ملاحظات في حالة كردستان العراق ، والذي اشار فيه الى أن ديمقراطية التمثيل ليست نظاما” للحكم فحسب أو طريقة لإدارة شؤون الاقليم وتقتصر فاعليتها وموجباتها على العاملين في الميدان الحكومي والعام بل هي النظام الاكثر انتصافا” لحقوق الانسان. أما البحث الثاني في الجلسة فكان بحثا” مشتركا” بين الدكتور خالد سعيد توفيق والمدرس ياسين محمود بابكر من جامعة صلاح الدين في اربيل وكان بعنوان الانتخابات البرلمانية المحلية في اقليم كردستان بين الواقع والطموح ، والذي تناول فيه الباحثان دور الانتخابات البرلمانية في عملية التحول الديمقراطي في اقليم كردستان واثرها في تنشيط الحركة السياسية الديمقراطية في العراق بكونها كانت فرصة مناسبة عبرت من خلالها العديد من القوى السياسية الكردستانية عن وجودها السياسي. ثم ختمت الجلسة الاولى بعرض الدكتور رشيد عمارة الزيدي من سكول العلوم السياسية جامعة السليمانية لبحثه الموسوم النفوذ الامريكي في العراق بعد انسحاب القوات الامريكية والذي خلص فيه الى أن انسحاب القوات العسكرية الامريكية من العراق لا يشكل بالضرورة تراجعا” للنفوذ الامريكي ، حيث أن الولايات المتحدة لاتزال تمارس ادوارا” مهمة في العراق من خلال وسائل عدة بعضها عسكري وآخر غير عسكري .
أما الجلسة الثانية فكانت برئاسة الدكتور ريبوار كريم محمود من جامعة السليمانية وشملت عرض اربعة بحوث كان أولها بحث الدكتور ستار الجابري من مركز الدراسات الدولية جامعة بغداد والذي كان بعنوان توجهات السياسة الفرنسية ازاء العراق في عهد الرئيس ساركوزي والذي اشار فيه الى أن تراجع السياسة الخارجية الفرنسية تجاه العراق بعد الاحتلال الامريكي له في 2003 ، ما هو الا نتاج واضح للمتغيرات الدولية منذ بداية عقد التسعينات ، وما تركته من آثار عميقة في طبيعة التوازنات والتحالفات والتغيرات في العلاقات الدولية . أما البحث الثاني فكان بعنوان مستقبل الاقتصاد العراقي بعد الانسحاب الامريكي رؤية تحليلية قدمته الباحثة همسة قصي من مركز دراسات النهرين جامعة النهرين ، والذي اشارت فيه الى أن ما يعانيه ويشهده الاقتصاد العراقي هو نتائج السياسات الاقتصادية الخاطئة التي مارستها الحكومات السابقة ، ولا تزال تمارسه الحكومات المتعاقبة منذ العام 2003 . أما البحث الثالث فكان للدكتورة زينب الزهيري من مركز احياء التراث العلمي العربي جامعة بغداد وجاء بعنوان مستقبل العلاقات السياسية العراقية الاردنية بعد الانسحاب الامريكي من العراق والذي اشارت فيه الى أن اهمية العلاقات العراقية الاردنية لا تنطلق فقط من كون العراق دولة جارة للأردن بل ايضا” كون العراق يمثل للأردن عمقا” استراتيجيا” على المدى الطويل. وكان الدكتور عواد عباس الحردان من كلية المعارف الجامعة الاهلية في الانبار آخر المتحدثين في هذه الجلسة وطرح موجزا” لبحثه الموسوم الانتفاضات الشعبية العربية واثرها على الواقع السياسي في العراق ، والذي اشار فيه الى ما ألت اليه الانظمة الحاكمة في الاقطار التي شهد انتفاضات شعبية ، مشيرا” الى أن الاتجاه الى ممارسة ضغط سلطوي في العراق من شانه أن يؤدي الى نفس ما آلت اليه الانظمة المنهارة ، اذا لم تضع الحكومة حلولا” سريعة وجذرية للمشكل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية .
وفي ثالث أيام المؤتمر وكان الخميس 17/5/2012 شهدت قاعة كلية العلوم السياسية في جامعة السليمانية آخر جلستين من اعمال المؤتمر حيث ترأس الجلسة الاولى الدكتور أنور محمد فرج من جامعة التنمية البشرية في السليمانية وكان أول المتحدثين في هذه الجلسة الدكتور كنعان حمه غريب من سكول العلوم السياسية جامعة السليمانية ببحثه الموسوم توزيع السلطة والثروة في العراق / دراسة في امكانية بناء الاستقرار السياسي والذي خلص فيه الى أنه رغم تركيز النصوص الدستورية العراقية على التوزيع الامثل للموارد والتأكيد على ملكية الشعب العراقي لموارده ، وان هناك هدرا” واضحا” في التعامل معها وان طريقة التعامل لا تضمن الاستقرار السياسي. أما ابحث الثاني في الجلسة فكان للدكتور ئاكو حمه كريم رحيم من جامعة السليمانية وجاء بعنوان انسحاب القوات الامريكية وعودة التسلطية الى العراق والقي البحث باللغة الكردية متناولا” التطورات السياسية في العراق في اعقاب الانسحاب العسكري الامريكي من العراق نهاية عام 2011 مؤشرا” على الاتجاهات التسلطية التي اتسم بها الاداء الحكومي .
الجلسة الثانية والاخيرة في المؤتمر كانت برئاسة الدكتور كنعان حمه غريب واشتملت على عرض ورقتين بحثيتين الاولى للدكتور معتز محي عبد الحميد مدير المركز الجمهوري للدراسات الامنية والاستراتيجية وكان بعنوان مستقبل الملف الامني العراقي بعد الانسحاب الامريكي والذي خلص فيه الى أن هناك علاقة موجبة بين الملف الامني والفاعلية والاستقرار السياسيين من جهة أخرى في العراق” بمعنى آخر إنه كلما كان الامن والاستقرار في الداخل العراقي مستتبا” فان الفرص ستكون متاحة بشكل كبير للنهوض بمجتمع حضاري متقدم . اما البحث الثاني في هذه الجلسة فكان للدكتور عمار حميد ياسين من كلية العلوم السياسية جامعة بغداد وكانت بعنوان مستقبل العلاقة بين العراق والاتحاد الاوربي لمرحلة ما بعد انسحاب القوات الامريكية من العراق عام 2011خلص فيها الباحث الى أن مقتربات العلاقة العراقية الاوربية لمرحلة ما بعد الانسحاب الامريكي من العراق ، تهدف على الصعيد الاقتصادي السيطرة والتحكم بإمدادات الطاقة (النفط والغاز) ، واستمرار العلاقات التجارية مع الاتحاد الاوربي. أما البحث الثالث في هذه الجلسة فقد كان للدكتور دانا علي صالح من سكول العلوم السياسية جامعة السليمانية والموسوم مستقبل العلاقات العراقية الامريكية في ضوء اتفاق الاطار الاستراتيجي والقي البحث باللغة الكردية ، وقد خلص الباحث فيه الى أن العلاقات العراقية الامريكية ستشهد جراء تطبيق اتفاق الاطار الاستراتيجي علاقة صداقة وتعاون كما ستشهد ازدهارا” وتطورا” كبيرين وستدخل الدولتان في شراكة متعددة المجالات .
وشهد المؤتمر انعقاد لجنة صياغة التوصيات برئاسة الدكتور خالد سعيد توفيق من جامعة صلاح الدين وعضوية عدد من الاساتذة والباحثين والباحثات المشاركين في المؤتمر ، حيث حظيت التوصيات التي صاغتها اللجنة بموافقة وتأييد المشاركين في المؤتمر وكان من اهم التوصيات دعوة المشاركين في المؤتمر للالتزام بالدستور واعتماد سياسة الحوار الحضاري لحل جميع المشكلات التي تعترض العملية السياسية والاستقرار والسلم الاهلي ، كما دعا المشاركون في المؤتمر الى دعم الاجهزة الامنية والقوات المسلحة والى تطوير العملية الديمقراطية والانتخابية في العراق بما يتيح الفرص للنهوض بمجتمع حضاري متقدم.
ان اهم الملاحظات التي برزت في اثناء جلسات المؤتمر وفي اروقته هي عمق وموضوعية المناقشات والمداخلات والتعقيبات التي تفاعل بها المشاركين في المؤتمر مع الباحثين وهذا الامر مرده الى علمية وعمق مواضيع الاوراق البحثية التي قدمت ونوقشت اثناء الجلسات السبع للمؤتمر ، وعكست حرص جميع الباحثين من النخب المثقفة واساتذة الجامعات والباحثين في مختلف المراكز البحثية من جامعات العراق واقليم كردستان الذين شاركوا في المؤتمر ، على تلاحم وانسجام النسيج الاجتماعي العراقي بمختلف مكوناته وحرصا” واضحا” على وحدة العراق الوطنية . كما أن حسن التنظيم والاعداد والتنسيق بين جميع الجهات الداعمة للمؤتمر عبر اللجنة التحضيرية للمؤتمر كانت من العوامل التي ساهمت في انجاح المؤتمر .