* العوامل البشرية والمادية المؤثرة في التنمية السياحية
تعتبر السياحة ومواردها من الأنشطة الاقتصادية الرائجة في العصر الحديث للبنية البشرية في ظل تحول عالمي للنظام الاقتصادي ، إثر التطور التكنولوجي الذي خطه النظام الاقتصادي مع الألفية الثالثة للعهد البشري ، نظراً لما تشهده الحضارة الإنسانية من تحول اجتماعي واقتصادي انعكست على حياة الإنسان وسلوكياته واحتياجاته ورغباته تجاه نفسه وتجاه أفراد أسرته . وقد شعر الإنسان بعد التحول التكنولوجي الكبير الذي يعيشه من جراء ممارسته للوظائف المختلفة ،وذلك من خلال ما يؤديه من مهن ، إلى رغبة بالترفيه والنقاهة من جراء الضغوطات التي يتحملها ضمن وسطه المهني والاجتماعي الضاغط المتوالي لتعقد الحياة الاجتماعية البشرية الراضخة تحت عجلة التطور التقني والاختراعات التكنولوجية المتتالية . ولعل ، ما حققته السياحة من أرباح طائلة للإنسان ، دفعه إلى التحول في نظامه الإنتاجي من الصناعة والزراعة إلى السياحة والخدمات ، وعمل على صناعة سياحية التي تتواءم مع المردود والربح السريع المرافق لها .
أدرك الإنسان أهمية العوامل البيئية المحيطة به ، فاستغل كل ما يمكن أن يطور نشاطه السياحي ضمن مجتمعه ، من أجل تحقيق نظلم سياحي متوازن فاعل يحقق رغبته بالرفاهية المعنوية والفكرية والثقافية والجمالية ، انطلاقا ً من معطيات التنمية ؛ التي تسعى إلى تمكين الإنسان في مواجهة ظروفه عبر استغلال محيطه الاجتماعي وبيئته ، وتحقيق رفاهيته المعيشية إثر تمكينه ذاتيا ً على مواجهة العقبات التي تعتريه جراء تغيرات عالمية أو محلية تؤثر على حياته بشكل عام . ولعل النشاط السياحي قد تعرض لعدة تحولات منذ نهاية القرن التاسع عشر للعهد الحالي ، وذلك لما قد شهدت الصناعة السياحية من تحول في البنية الاقتصادية شكلا ً ومضمونا ً ، تبعا ً لعوامل عدة متفاعلة في هذا النشاط . فمن هنا وجدنا إثارة أهمية النشاط السياحي، ودوره في المشاريع التنموية من خلال إلقاء نظرة على واقع هذا النشاط عالميا ً ومحلياً. إنطاقا ً مما يلي، فما هي إذا ً، أبرز العوامل المؤثرة والمتفاعلة في النشاط السياحي سواء البشرية منها أم المادية عبر التركيبة الحضارية التي مرت بها الشعوب؟ وكيف يمكن لنا إحداث تنمية سياحية تتلاءم مع حاجات الإنسان المحلي وتحقق له الغاية المرجوة ؟
انطلاقا ً مما ورد ، فإن العوامل المؤثرة في الحياة السياحية تنطلق أولا ً من العوامل البشرية نفسها التي تشكل هدف أي نشاط سياحي ، وغايته في آن ٍ معا ً، ولعل الثروات البيئية المتوفرة من خصائص جغرافية ضمن المجتمع المحلي ، تشكل الأساس الأبرز في الرؤية التي يشكلها الفرد تجاه صناعته السياحية ، عبر استغلال ما يتيح من موارد تدعم الحركة السياحية وتؤهل تشيد مرافقها الحيوية المختلفة ، ولعل أبرز العوامل المؤثرة في النشاط السياحي هي :
-أولا ً ، التطور الحضاري والثقافي والاجتماعي .
-ثانيا ً ، العوامل البشرية المؤثرة في التنمية السياحية .
-ثالثا ً ، العوامل المادية المؤثرة في التنمية السياحية .
-رابعا ً، سياسة الدولة السياحية وأسس تخطيط البرامج التنموية.
شهدت البشرية حضارات اجتماعية متنوعة من جراء ما عايشته من تنظيمات اجتماعية متحولة عبر الزمن إثر مؤثرات قد دفعت بالفرد ضمن مجتمعه إلى إيجاد ما يتناسب مع ما يحقق استقراره ويلبي احتياجاته ، ويساهم في تحقيق إنتاجيته المعيشية والإيوائية ، وهذا قد تم من خلال استخدام للقدرات العقلية الفردية ، وإبداعاتها في الاختراع والاكتشاف لوسائل الإنتاج التي قلصت من قوة العضلية اليدوية ، ليستعيض عنها بالآلة الميكانيكية من ثم الألكتوميكانيكية ، ليتحول مؤخرا ً إلى التقنية التكنولوجية التي سهلت حياته ومعيشته ، ونظمت أموره الاجتماعية بشكل عام.ونظرا ً لهذا التحول الذي عاشه الإنسان منذ القدم إلى العصر الحالي، نجد آثار هذا التحول قد أنعكس بشكل مباشر على التركيبة الحضارية المرافقة لحركة المجتمعات بشكل عام ، وما آلت إليه حضارة الإنسان وحركة الشعوب من تطور حضاري واجتماعي رافق الإنسان من حقبة إلى أخرى بشكل متوال ٍ.
-أولا ً ، التطور الحضاري والثقافي والاجتماعي .
مرّ بالإنسان عبر العصور العديد من الأنظمة الاجتماعية المتحولة من حركة الرعي والبداوة إلى الحياة الزراعية من ثم العهد الصناعي ضمن مجتمعه، وشكلت الثورة الصناعية المحطة الأساسية في حياة الشعوب وحضارتها ، انطلاقا ً من نهاية القرن الثامن عشر ومع بداية القرن التاسع عشر ، وحيث وجدنا للآلة دورها البارز في تغير حياة الإنسان وسلوكياته ونظلمه المهني ودوره الإنتاجي، وإحداث نقلة نوعية هامة في طريقة عيشه إثر هذه التغيرات الذي واكبها مع التطور التقني الصناعي ضمن حضارته وبيئته الثقافية المنتمي إليها .
الحضارة إذا ً، عبارة عن مجمل السلوكيات التي يتشارك بها أفراد المجتمع الواحد ويتقاسم فيما بينهم مجمل العلاقات والخصائص الاجتماعية والثقافية والاقتصادية ضمن مجتمع معين . وتتشكل هذه الخصائص الثقافية من البنية الفوقية (البشرية) و التحتية (المادية) ؛ فالبنية المعنوية السلوكية التي تشكل القاعدة الشخصية الثقافية الممتدة عبر العادات والتقاليد والتراث والأعراف الموروثة عبر الزمن مع تعاقب الأجيال ضمن الحضارة الواحدة وما تمتزج معها من الهوية الثقافية والدينية والفلكلور الشعبي وطريقة ممارسة شعائرهم الدينية وطقوسهم الاجتماعية بشكل عام. أما الخصائص المادية فقد تتجسد بالبنية الجغرافية للمجتمع من حيث المكان المحيط به ، وما يحتويه من موارد الأرض ووسائل الإنتاج والأدوات المستخدمة من قبل الإنسان نفسه ، وما يتمثل من الآثار التي تجسد مخلفات الإنسان عبر العصور ضمن الحضارة الإنسانية . إلا أننا نميز بين حضارة وأخرى من خلال مفاهيمها الثقافية ودرجة رقيها في سلم التطور والإبداع والازدهار ، إذ لكل ثقافة خصوصيتها في عاداتها وتقاليدها وبنيتها البشرية فيزيولوجيا ً وسلوكيا ً .
عرفت البشرية منذ العقود الزمني السابقة؛ التي أدرك الإنسان العاقل وجوده في العهود القديمة التي تعود إلى أكثر من 40 ألف سنة عدد كبير من نماذج الحضارات البشرية التي طالت بلاد المشرق وبلاد أوروبا الغربية والتي شكلت العالم البشري القديم، والتي تم إدراك هذه الحضارات من خلال الآثار والرسوم والرموز الذي عثر عليها في مختلف مناطق قارة أسيا وأوروبا وشمال أفريقيا . ومنها حضارة بلاد ما بين النهرين (العراق) في آسيا التي تعود إلى الألف الرابع قبل الميلاد حتى الألف الثالث ق.م. ، الحضارة الفينيقية (لبنان) في أسيا التي تعود إلى الألف الثالث ق.م. حتى الألف الثامن ق.م. ؛الممتدة من جبل كرمل حتى رأس شمرا، الحضارة الفرعونية (مصر) التي تعود إلى 3150 ق.م.، حتى 525ق.م. ، في وادي النيل ، عدا عن الحضارة الهندوسية والإغريقية ، الفارسية الصينية الرومانية ، وحضارة الأمريكية ما قبل كولومبس من خلال حضارة المايا mayas ، الأنكل incas، التولتك في المكسيك Tolttèques والأزتك Azatèques ، من 1160 م حتى القرن الخامس م .
رغم تعدد الحضارات وتنوعها عبر العصور شهدت البشرية تنقلات عبر القارات، بفعل الاكتشافات الجغرافية التي أحدثتها تتطور لوسائل النقل ، وتشكلت بذلك مدن سياحية هامة عبر المناطق الحضارية ، وأبرز هذه المدن باريس ، لندن ، روما ، أثينا ، إسطنبول ، براغ ، فينا ، بودبست ، موسكو ( في قارة أوروبا ) ، حلب ، دمشق، تدمر (سوريا) ، بيروت ، جبيل ، صيدا ، صور ، بعلبك (لبنان) ، عمان ، جرش، بترا ، العقبة على بحر الأحمر (الأردن)، القدس ، الخليل ، أريحا ، بيت لحم (فلسطين) ، بغداد ، كربلاء ، نجف (العراق)، قم ، برسيبوليس Persepolis (إيران) وذلك (في قارة آسيا) . وادي النيل ،القاهرة ،الإسكندرية ، شرم الشيخ (مصر) ،قرطاجة ، القيروان (تونس) ، مكنس Meknès(المغرب) وذلك في ( شمال القارة الأفريقية ) . وقد شكلت هذه القارات الثلاث امتداد للتطور الحضاري التي عاشته شعوبها ، فقد شكلت الشعوب القديمة مستعمراتها ، وتركت العديد من آثارها الهامة ، أستغلها الإنسان المعاصر في النشاط السياحي ، عبر ابتكاراته في الترويج السياحي الثقافي تبعاً لخصوصية كل مدينة من هذه المدن التاريخية التي حضنت المجتمعات البشرية عبر العقود الزمنية .
رغم توزع هذه المدن السياحية بين القارات العالم القديم بشكل بارز ، إلا أن النشاط السياحي قد تم على أثر التطور الحضاري من حيث التحول الاجتماعي والاقتصادي الذي عايشه الإنسان ، فبفعل دخوله ميادين مهنية عدة ، وممارسات نشاطاته المفروضة عليه وفقا ً لظروف العمل وخاصيته ، فقد شكل عبء كبير على كاهله ، إذ انعكس سلبا ً على نفسيته وشكل لديه ضغوطات لا بد من التحرر منها عبر ممارساته لنشاطات سياحية وإستجماية ملحة وجد عبرها راحة قد خففت من وتيرة الأزمة النفسية الضاغطة عليه . ولما كانت التنمية البشرية تستهدف إحداث تغيرات ونقلة نوعية في حياة الإنسان ، فقد طالت العملية التنموية الجانب الترفيهي من خلال برنامجها ، حيث أن غايتها ترفيه الإنسان وتخفيف حدة الأزمات التي تواجهه ، ومعالجة مشاكله بواسطة الإنسان نفسه ، وهذا ما يستلزم رفع مستوى معيشة الفرد ومستوى تحصيلهم العلمي ومستوى العناية الصحية بهم. فكلما ارتفع مستوى دخل الفرد أو زادت معرفته العلمية ، كلما أستطاع أن يلبي احتياجات أخرى منها الترفيهية المتعلقة بالاستجمام والسفر والراحة . والجدير بالذكر هنا ، أن النشاط السياحي قد نشط بشكل ملموس ليطال السياحة الجماعية المكثفة التي تطال كل فئات المجتمع ، بعد أن كانت مقتصرة على الطبقة الأرستقراطية قديما ً ، وذلك بفعل ما أحدثته الثورة الصناعية والتكنولوجية في وسائل النقل وارتفاع مداخيل الأفراد في الدول الصناعية المتقدمة .