تظهر أهمية التطوع والحاجة إليه كلما تقدم المجتمع وتعقدت العلاقات الاجتماعية، فكلما كانت العلاقات بسيطة ومباشرة تكون الجهود التطوعية جهوداً فردية ومباشرة أيضاً، وترتبط بالموقف ذاته، وتكون إحدى سمات العلاقات الاجتماعية، فمجتمع القرية لقلة حجمه، وتداخل علاقاته يتصف بالتساند والترابط، والتطوع فيه يؤدي وظيفة ضرورية، ويرتبط ذلك عند الناس بقيم الشهامة والمروءة والكرم.
أما مجتمع المدينة فاتساعه يُضعف العلاقات الاجتماعية؛ لأن احتياجات الناس تشبع من خلال المنظمات والهيئات، وعلى الرغم من توفر تلك الخدمات، إلا أن ذلك قد أظهر حاجة تلك المجتمعات أكثر إلى التطوع، والذي يكون في صورة نشاط مؤسسي، يتم من خلال المؤسسات الاجتماعية، فالدول مهما كانت إمكانياتها المادية لا تستطيع إشباع كل احتياجات أفرادها، حتى مع اتساع أنشطتها وتعدد مجالاتها، خصوصاً في ظل تزايد الاحتياجات، فما كان ينظر إليه على أنه كمالي في وقت من الأوقات، قد يصبح ضرورياً في وقت لاحق.
والأهمية الكبرى للتطوع تكمن في تنمية الإحساس لدى المتطوع، ومن يستفيد من خدماته، بالانتماء وتقوية الترابط الاجتماعي بين فئات المجتمع، والتي تأثرت تأثراً سلبياً ظاهراً بعوامل التغير الاجتماعي والحضاري، كما أن الأعمال التطوعية تكون لوناً من ألوان المشاركة الإيجابية ـ ليس في تقديم الخدمة فحسب ـ بل في توجيه ورسم السياسات التي تقوم عليها تلك المؤسسات الاجتماعية، ومتابعة تنفيذ برامجها وتقويمها بما يعود على المجتمع ككل بالنفع العام، وكلما كثر عدد المتطوعين كلما دل على وعي الأفراد وحسن تجاوبهم مع هيئات ومنظمات المجتمع.
إن الأنشطة التطوعية من أهم معالم التنمية الاجتماعية، لأن نمو حركتها واتساع قاعدتها، واشتراك أعداد كبيرة من الأفراد فيها يعتبر دلالة أكيدة على أن المجتمع استطاع أن يبني طاقة ذاتية قادرة على النهوض به وصنع التقدم فوق أرضه، وقادرة على دفع المخاطر التي قد يتعرض لها.