علم اللغة التاريخي المقارن (زبانشناسى درزمانى)
بقلم الاستاذ خالد التميمي
لعلنا نستمد القول مما قاله اللغوي الإنجليزي (جسبرسن Jespersen) في كتابه: Language المنشور في لندن عام 1922م الذي قال فيه إن علم اللغة كان في الأساس دراسة تاريخية، إلا أن هذه الدراسة كانت في رأيه مبعثرة، ليس لكونها تفتقد لعمق النظر، أو التقدير لما هو مطلوب، ولكن لأن اقتراحات المهتمين بهذا المنهج، وبحوثهم ظلت في عزلة إلى حد كبير، دون تطور متواصل من قبلهم. وإذا كان علم اللغة الحديث أخذ في الظهور مع مطلع القرن التاسع عشر في صورة نحو تاريخي مقارن، فإن هذه الدراسات في ثوبها الجديد قدمت معلومات كثيرة عن التغيرات التي تطرأ على الكلام الإنساني. وكانت أولى هذه التغيرات أن نظر اللغويون آنذاك إلى اللغات واللهجات على أنها كائنات يمكن تصنيفها حسب أنواعها، ويتأتى حصر أعدادها، وتتطور تطور النبات والحيوانات. وأنشأ اللغويون علاقات النسب بين اللغات واللهجات كما هو الحال في التاريخ الطبيعي، متأثرين في ذلك بالنزعة التطورية التي عرف بها القرن التاسع عشر، تلك النزعة التي أثرت في مناهج العلوم والفلسفة جميعاً.
ومجمل القول عن هذا العصر الذي شهد العديد من التطورات اللغوية على أيدي اللغويين الأوربين، لا سيما الألمان منهم، أن إجماعاً بين هؤلاء اللغويين لتبني نظرية بعينها لم يحدث، بل أثبت أخطاء هؤلاء بعض المحدثين. والاتجاه الغالب على معظم الدراسات كان نزعة تاريخية مقارنة، نتج عنها تصنيف اللغات على أسس عائلية، أو على أسس بنائية، بحيث يمكن القول بأن هذه الفترة التي ربما تصل إلى قرن من الزمان لم تكن لتهتم في رأي اللغويين المحدثين إلا بالجوانب التاريخية بين اللغات، بل لم يكن ليسمح بأي من هؤلاء اللغويين التطرق إلى القضايا غير اللغوية. ولم يبق مقتصراً فقط على العلاقات بين مصطلحات اللغة الثابتة المتعايشة أو المتواجدة معاً، بل تعدى ذلك إلى علاقات المصطلحات المتعاقبة التي تحل محل بعضها مع مرورالزمن. فالصوت اللغوي عندهم هو حجر الزاوية في الدراسات اللغوية الحديثة الذي يغير مفهوم الكلمة، والجملة اللغوية التامة في أحيان كثيرة، على سبيل المثال يتعارض مع مفهوم الثبات، وبالتالي يتم تجاهل المعنى، ويأخذنا في الاعتبار المحتوى المادي للكلمة فقط. أي أن الأشياء التي تتغير مع الزمن، الكلمات تغير معناها، لأن الأنواع النحوية تتطور، ومن ثم كل شئ خاضع لديهم للتطور.