أ.د. مكي عبد مجيد
لقد درج العلماء والفلاسفة في كل مكان وزمان عبر التاريخ الإنساني، على وضع نظريات عن طبيعة المجتمعات البشرية، وما يدخل في نسيجها وأبنيتها من دين أو سلالة، ومن ثمّ تقسيم كلّ مجتمع إلى طبقات بحسب عاداتها ومشاعرها ومصالحها. وقد أسهمت الرحلات التجارية والاكتشافية، وأيضاً الحروب، بدور هام في حدوث الاتصالات المختلفة بين الشعوب والمجتمعات البشرية، حيث قرّبت فيما بينها وأتاحت معرفة كلّ منها بالآخر، ولا سيّما ما يتعلّق باللغة والتقاليد والقيم.
لفظة أنثروبولوجيا Anthropology، هي كلمة إنكليزية مشتقّة من الأصل اليوناني المكوّن من مقطعين : أنثروبوسAnthropos ، ومعناه ” الإنسان ” و لوجوس Locos، ومعناه ” علم “. وبذلك يصبح معنى الأنثروبولوجيا من حيث اللفظ ” علم الإنسان ” أي العلم الذي يدرس الإنسان . والأنثروبولوجيا لا تدرس الإنسان ككائن وحيد بذاته، أو منعزل عن أبناء جنسه، إنّما تدرسه بوصفه كائناً اجتماعياً بطبعه، يحيا في مجتمع معيّن لـه ميزاته الخاصة في مكان وزمان معينين.
وإن دراسة السلوك الاجتماعي الذي يتّخذ في العادة شكل نظم اجتماعية كالعائلة، ونسق القرابة، والتنظيم السياسي، والإجراءات القانونية، والعبادات الدينية، وغيرها.، يطلق عليها الأنثروبولوجيا الاجتماعية.
وكذلك تدرس الأنثروبولوجيا الاجتماعية العلاقة بين هذه النظم سواء في المجتمعات المعاصرة أو في المجتمعات التاريخية، التي يوجد لدينا عنها معلومات مناسبة من هذا النوع، يمكن معها القيام بمثل هذه الدراسات.
إنّ كل نظام اجتماعي، هو جزء من وحدة متناسقة متكاملة، أوسع جدّاً في مداها من النظام نفسه، أمّا العناصر التي تتكوّن منها هذه الوحدة، فهي متشابكة ومتداخلة. ولا يمكن فهم النظام الاجتماعي، إلاّ إذا درس في ضوء علاقته بالوحدة المتناسقة الكبيرة، التي تضمّ عناصر أخرى تظلّ تفرض باستمرار حدوداً على نموّه وعمله.
وبما أنّ الكائنات البشرية تعيش في تجمّعات (مجتمعات) وتطوّر طرقها الخاصة في الحياة بما يتلاءم مع أوضاعها الخاصة والعامة، فإنّ للثقافة هنا دوراً كبيراً في عمليات التغيير الاجتماعي، الفكري والسلوكي.