مرقد السيدة خولة بنت الحسين

 

     ألقت القرون الماضية بظلالها على حقيقة قبر السيدة خولة حتى قبل قرنين من الزمن. فيروي المعمرون من أهل المدينة: أن رجلاً من آل جاري صاحب البستان الذي يحوي قبرها الشريف رأى طفلة صغيرة جليلة في منامه، فقالت له: (أنا خولة بنت الحسين مدفونة في بستانك)، وعينت له المكان وأمرته بالقول حوّل الساقية (ساقية مياه رأس العين) عن قبري لأن المياه تؤذيني. فالمياة كانت آسنة، لكن الرجل لم يلتفت للأمر، فجاءته ثانية وثالثة ورابعة حتى انتبه الرجل فزعاً من هذه الرؤى، فهرع عندها للاتصال بنقيب السادة من آل مرتضى في بعلبك وقصَّ عليه الرؤية، فذهب النقيب ومن حضر من الأهالي وحفروا المكان المشار إليه، وإذ بهم أمام قبر يحوي طفلة ما تزال غضة طرية، فأزاحوا البلاطات واستخرجوا جسدها المبارك ونقلوها بعيداً عن مجرى الساقية وبنوا فوقه قبة صغيرة للدلالة عليه. وما إن ذاع صيت الحادثة التي يعود عمرها لمئتي عام تقريبا حتى توافد إلى زيارة المقام محبّوا أهل البيت عليهم السلام حتى ضاق بهم المكان، فأصبح مشهدها المبارك مزاراً لعشرات الآلاف من الزاءرين من مختلف المناطق والأطراف والبلاد لا سيما أيام عاشوراء والأربعين والجمعات والأعياد والمناسبات.

   قد تختلج الصدر أسئلة عمّن أتى بها إلى منطقة بعلبك بلبنان؟ ولماذا يوجد قبرها في هذه المنطقة تحديدا؟ والمجيب عن هذه الاسئلة هو التأريخ نفسه إذ ينقل لنا مسير القوافل الطبيعي في تلك الربوع من الشام، فالرحلة إلى الشام تمر في بلاد ومناطق كثيرة، ونظراً للسفر الطويل كانت القوافل المارة في الصحاري تتبع مجاري الأنهار والينابيع مخافة العطش ولسقاية الحيوانات التي معهم، وتعرف المنطقة الممتدة من حلب حتى البقاع بوفرة الخضرة وأشجار الفاكهة والأنهار والينابيع وتحديدا منطقة البقاع وبعلبك، لذا كان مسير ركب السبايا من أخوات وبنات ونساء الإمام الحسين عليه السلام في رحلة شاقة من كربلاء وصولاً إلى دمشق الشام. كان مسيرها ضمن بقاع الشام من حلب وحماه وحمص مروراً بمناطق لبنانية مختلفة ومتعددة – ولم تكن الشام مقسمة الى دول كما حالها اليوم – وصولاً إلى بعلبك ومرجة رأس العين، حيث يوجد مسجد رأس الإمام عليه السلام. كما ويروى اتخاذ القافلة المسير الطويل هذا تجنبا وابتعادا عن مناطق الموالين لأهل البيت (ع) خشية قتال يواجهه الجيش الاموي لتحرير السبايا فكان خط سير السبايا لا بدّ أن يمر في هذه المناطق، وهو القول الراجح عند عامة الناس.

    من هنا … فإن الأثر الاسلامي الهام هو ضريح السيدة خولة ابنة الإمام الحسين عليه السلام التي تذهب الروايات بشأنها إلى أنها إما سقط إحدى زوجات الإمام الحسين عليه السلام أو أنها طفلة ابنة ثلاث سنوات أنهكتها مسيرة السبي فتوقفت في ظل أشجار بستان قرب قلعة بعلبك الشهيرة وتوفيت نتيجة عناء السفر ووعثاء الطريق الذي أخذ منها مأخذا لم تتحمله لصغر سنها فمرضت مرضا شديدا أودى بحياتها ودفنت هناك. لقد تابع الركب مسيره الى دمشق، وطمس معلم قبرها حتى قبل مائتي عام حيث تم اكتشاف قبرها الشريف. وليس هنالك مصادر توثق ذلك سوى ما يجري على لسان أهل المدينة من كبار السن والمعمرين.

 

    أن المرقد الشريف اليوم مقام كبير يتألف من صحن كبير يفضي الى الروضة الشريفة عبر باب خشبي كبير، حيث القبر محاطا بشباك فضي مزخرف تعلوه زخرفة مذهبة، يتخلله فتحات صغيرة على شكل نوافذ تطل على قفص خشبي صغير وقديم يحتوي بداخلة ضريح السيدة خولة، وقد زين الشباك الذي يحيط القبر بآيات قرآنية وأحاديث نبوية شريفة وأقوال لأئمة أهل البيت عليهم السلام من جميع الجهات.