سكان الاهوار واصولهم
لا يختلف الاقوام الاولون الذين اختاروا منطقة الاهوار جنوبي العراق ليتخذوا منها موطنا لهم قبل خمسة الاف عام كثيرا عن احفادهم سكان الاهوار الحاليين في نمط حياتهم , واساليب معيشتهم , وهيأتهم , وتنقلهم بين غابات القصب , وبناء اكواخهم القصبية وسط الماء , وفي صيدهم للأسماك والطيور , وفي اعداد العلف لقطعان الجاموس وغير ذلك من خصائص الحياة الاخرى , فقد هيأت الطبيعة في هذه المنطقة وسائل العيش ومقومات الحياة وسبل تدبير المعاش اليومي , فقد اوجدت لهم الطبيعة في منطقة الاهوار واحراشها ملجأ امينا يقي سكانها من خطر هجمات الوحوش وخطر الغزو البشري . اما من حيث الغذاء فقد وفرت لهم الطبيعة الطيور المائية والاسماك وفتحت لهم مجالات عديدة لممارسة مهنة القنص والصيد التي امتهنها الانسان منذ القدم ووفرت لهم في هذه المنطقة العناصر الاساسية للحياة وهي الماء الوفير والشمس الغامرة والتربة اللينة التي يسهل فيها نمو جذور النباتات .
اما اكواخ اليوم فلا تختلف كثيرا عما كانت عليه قديما , حيث تبنى من القصب محتفظة في مادة بنائها وفي مظهرها العام ولا تختلف عن بعضها الا قليلا من حيث الارتفاع او الاتساع , ويتم تشييدها من حزم القصب التي ثبتت قوائمها في الارض وثني اطرافها لتكون اقواساً (2).
1– د. الانصاري مصطفى , الاهوار بين الحياة والموت , 1996م , ص34
2– حامد حسين علوان , الاهوار مملكة الماء , المجد للطباعة والنشر والتوزيع , ص 12
يقول هنري فيلد ( ان سكان الاهوار هم النسل المبار للسومريين الذين عاشوا في العراق قرابة خمسة الاف عام) ويعتقد هنري فرنكفورت ان منطقة الاهوار كانت مأهولة منذ الالفين الخامس والرابع ق.م , واختلفت النظريات وتعارضت الآراء عن اصل سكان الاهوار , لكن معظم المؤرخين يتفقون على ان الانسان استوطن ارض العراق الكائن بين دجلة والفرات منذ الاف السنين وتمكنت اول تجمعات بشرية من الاستيطان في دلتا الفرات , واخذت تبني بيوتها من القصب والبردي .
وبعد مرور خمسة عشر قرنا (3500 ق.م ) انتشرت الحضارة السومرية في المنطقة . وفي القرن الثلاثين قبل الميلاد تعرضت المنطقة الى فيضانات شاملة ومتتابعة , واستطاع السومريون برغم ذلك ان يبنوا مدنهم وحضاراتهم التي تعتبر من اقدم الحضارات وتبعتها حضارات سامية وقد تعرضت المنطقة الى غزوات الاشوريين والفرس .
وعلى هذا يكون تاريخ الاهوار ضاربا في عمق التاريخ ولكن الغالبية من سكانها هم من قبائل هاجرت من الجزيرة العربية واستقرت في هذه المناطق متخذة من رعي الجاموس والزراعة وسيلة للعيش فضلا عن صيد الاسماك والطيور , وامتاز بعض سكان الاهوار بالتنقل الدائم بحثا عن علف حيواناتهم المكون من القصب الذي بدأ ينمو تواً بالنمو اكثر ويطول ويعلو حتى يتركه الجاموس ليجبر رعاته على الانتقال الى مكان اخر بحثا عن (الضكر) كما يدعى القصب وهو لم يزل نباتا صغيرا بلغة اهل تلك المنطقة (1).
الرجال في الاهوار يتمتعون بقوة كبيرة رغم نحافة اجسامهم لأنهم يقضون حياتهم في التجديف او دفع المرادي , او يخضون الماء خلف الجواميس او بحثا عن الاسماك والطيور البرية , او يمسكون المناجل ليقطعوا البردي كعلف لحيواناتهم او يقطعون القصب العملاق لأجل البناء او البيع , ان لهم قوة كبيرة في اصابعهم وارسفتهم , ايديهم عريضة , كبيرة المسافات , خشنة الكف , اقدامهم ضخمة ,عريضة وسميكة بصورة استثنائية مثل اقدام البدور , لكنها مشققة ومغطاة بأثار الجروح الناتجة من احتكاكها الدائم بخشب المشاحيف وتعرضها المستمر لضربات ووخز النباتات في منابت القصب .
يرتدي الرجال في الاهوار الملابس الفضفاضة التي هي عبارة عن رداء طويل (دشداشة) او زيون غليظ في الشتاء ويضعون على الرأس الكوفية والعقال العربي وهذه الملابس تتلائم مع طبيعة عملهم (2).
اما النساء في الاهوار فهن ذوات نفوس طيبة وابتسامات بريئة وهن ودودات الى ابعد الحدود , ذوات وجوه جميلة وعيون كحلية , حيث ان الطبيعة اعطت للمرآة هنا اكثر مما قد تعطيه المساحيق . تمتاز المرآة في الاهوار وخصوصا المعدان بقوتهن الجسدية العالية وذلك لإعتماد غذائها على حليب الجاموس الدسم . وهن يشاركن في الزراعة والصيد وتربية الجاموس والاغنام ورعايتها وعمل مشتقات الالبان واولها ” القيمر” والتي تتميز به المنطقة عن غيرها من المناطق حيث يضع من حليب الجاموس الخالص , اضافة الى قيامها بأعمال البيت الاخرى واهمها الخبز (3).