تأثير الازمات على السياحة الداخلية في العراق
م. محمد عبد علي جاسم الشيباني
mohammed.abdali@uokerbala.edu.iq
السياحة الداخلية هي نشاط سياحي داخل الدولة نفسها أي إن سكان البلد نفسه يسافرون من مكان الى مكان آخر داخل حدود البلد لغرض الترفيه والاسترخاء والاستشفاء أو غير ذلك، ويمثل هذا النمط الجزء الاكبر من النشاط السياحي العالمي بما نسبته ثلثي السياحة الكلية بحسب ما صرحت به منظمة السياحة الدولية، وعليه فإن السياحة الداخلية لها أهمية كبيرة للعديد من دول العالم ذلك من خلال الايرادات السنوية التي يدرها هذا النوع من السياحة، وتعزى كذلك أهمية السياحة الداخلية الى السائح نفسه إذ ان الوجهات الداخلية تكون قريبة وفي أغلب الاحيان لا تحتاج الى تذاكر طيران ومغادرة البلد المقيم فيه والحصول على تأشيرة دخول لدولة أخرى ولا تتطلب انفاقاً كثيراً للأموال، وهذا أمر جيد بالنسبة لذوي الدخول المحدودة.
بلدنا العراق يزخر بالمقومات السياحية التي تعتبر عناصر جذب للسكان المحليين و الاجانب على حد سواء فهو يمتلك العوامل الطبيعية والثقافية والدينية والآثرية ومنتشرة في أغلب مناطقه حتى لا تكاد منطقة تخلو من عنصر جذب سياحي، فالمراقد الدينية منتشرة في محافظات النجف وكربلاء وبغداد وكذلك وجود مرقد العسكريين في سامراء في محافظة صلاح الدين وغيرها من المراقد والمقامات التي لايتسع ذكرها هنا، أما العناصر الطبيعية فهي منتشرة في جنوب العراق ووسطه وشماله ففي الجنوب هناك الاهوار ولأهميتها وجمال طبيعتها وتنوعها الاحيائي تم أدراجها ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو كأهوار الجبايش وهور الحمار في محافظة ذي قار وهور الحويزة في محافظة ميسان وغيرها من الاهوار المنتشرة في جنوب العراق أما في وسط العراق فهناك البحيرات والعيون التي يقصدها السياح من مختلف المحافظات كبحيرة الحبانية في محافظة الانبار وبحيرة الرزازة وعين التمر في محافظة كربلاء والتي يقصدها السياح ليس فقط للاستمتاع بمناظرها بل للعلاج من بعض الامراض الجلدية والتي تعتبر نوع من الانواع السياحية التي يُطلق عليها بالسياحة الاستشفائية أو العلاجية، أما في الشمال حيث الشلالات والجبال والمصايف والكهوف المنتشرة في محافظات الشمال مثل مصيف صلاح الدين وحاج عمران في اربيل ومصيف سرسنك ومصيف سولاف في محافظة دهوك ومصيف سرجنار وبحيرة دوكان وبحيرة دربندخان في السليمانية والتي يأمها السياح في فصل الصيف بسبب اعتدال مناخها. أما المواقع الآثارية فهي منتشرة ايضاً في عموم البلاد ولا يمكن حصرها هنا لكثرتها لكن على سبيل المثال في سامراء توجد الملوية وقصر العاشق وفي كربلاء حصن الاخيضر وقصر شمعون وخان الربع وفي بغداد طاق كسرى في المدائن أما في ذي قار فهناك موقع أور الشهير والذي يعتبر واحد من أقدم الحضارات المعروفة في تأريخ العالم وكذلك قلعة اربيل في محافظة اربيل والتي تعتبر ايضاً من المعالم التأريخية والتي أصبحت هذه القلعة جزءاً من التراث العالمي بقرار من منظمة اليونسكو التابعة للأمم المتحدة.
على الرغم من الكم الهائل من المواقع السياحية الموجودة في العراق الا أننا نلاحظ ضعف في السياحة الداخلية ويرجع ذلك الى عدة أسباب منها الأزمات المتتالية التي مر بها البلد منذ سقوط النظام سنة 2003 وكذلك ضعف الأداء الحكومة ، ومن الازمات التي جرت على العراق خلال هذه الفترة أحداث النجف سنة 2004 ضد القوات الأمريكية التي أثرت بشكل كبير على السياحة الداخلية تلتها الحرب الطائفية ( 2005 – 2008) التي أخذت مأخذها خلال هذه الفترة والتي القت بظلالها على السياحة بكل مفاصلها ناهيك عن الأوضاع الأمنية المتردية التي تخللت الحرب الطائفية وما بعدها المتمثلة بالتفجيرات التي عمت أغلب مدن العراق والتي راح ضحيتها الكثير من الابرياء، ثم دخول داعش للعراق وسقوط الموصل سنة 2014 – 2017 وإطلاق فتوى الجهاد الكفائي من قِبل مرجعية النجف الرشيدة، هذا اضافة الى المظاهرات التي عمت مدن العراق في شهر اكتوبر من العام الماضي، وأخيراً جائحة كورونا التي أوقفت الحركة بشكل شبه تام من خلال الحظر الذي فرض على محافظات العراق كافة كإجراءات إحترازية لمنع تفشي المرض.
يتضح مما ذُكر في أعلاه إن هذه الازمات أدت الى تدهور القطاع السياحي وشلت الحركة السياحية ، فالعائلة العراقية لم يكن لديها متنفس للتنزه والاسترخاء على الرغم من المواقع السياحية الكثيرة بسبب تردي الخدمات وكذلك الازمات التي حالت دون ذلك والتي إنعكست هذه الامور بشكل سلبي على السياحة الداخلية فليس بمقدور السائح وقتها التنقل بين المحافظات بحرية ولا توجد متنزهات ولا حدائق عامة مما يضطر المواطن للسفر الى الدول المجاورة مثل تركيا وجمهورية ايران الاسلامية وبهذا فقدت السياحة الداخلية خصائصها وإنتقلت الاموال الصعبة الى خارج البلد.
وأخيراً أستطيع القول إن القليل من الدول تمتلك المقومات التي يمتلكها العراق ولولا هذه الازمات والفساد لأصبح العراق قِبلة سياحية ذات أهمية كبيرة يُعتمد عليها الى جانب النفط ، وعليه ينبغي أن تضع الحكومة القطاع السياحي الداخلي نصب أعينها في سبيل تطويره وأن يكون ضمن التوجهات الاستراتيجية للتنمية السياحية لما له من اهمية كبيرة في التنمية الاقتصادية ، ويجب أن يكون هناك برنامج حكومي واضح تتظافر فيه كافة الجهود من الوزارات والهيئات وأصحاب شأن للنهوض بهذا القطاع الحيوي مع اشراك القطاع الخاص في صناعة السياحة المحلية.