نشأة وتطور القيم عبر الحضارات التأريخية
ترجع الأصول الأولى للقيم إلى بدء الخليقة من زمن نبينا آدم (عليه السلام) وظهور أولى المجتمعات البشرية على سطح الكرة الأرضية، حيث بدأ الله سبحانه وتعالى بتعليم نبينا آدم القيم السماوية وأمره بتعليمها لأولاده والتي حملت معاني الدين والتربية والأخلاق، فكانت إنطلاقة للقيم ومحاولة إرسائها وحمايتها من الإنحلال والتدهور، وبتعاقب المجتمعات وإزدياد حجمها وإتساعها وبتغير متطلبات الحياة البدائية في ذلك الوقت بدأت تظهر أفكار ومعتقدات حول أمور الحياة العامة والإعتقاد بها لأنها كانت تعبر عن الشيء المرغوب به لما تريد تلك الجماعة أن تكون عليه.
وتكونت أُولى الحضارات القديمة في الشرق الأدنى التي تمثلت بأعرق حضارتين عرفهما التأريخ فكانت الأولى (حضارة وادي الرافدين) والتي تكونت من عدة حضارات منها بلاد سومر أول الحضارات التي نشأت وتكونت، فكانت أول القيم التي ظهرت هي القيم الإقتصادية التي دفعتهم لتنظيم العقود والمبادلات التجارية وحقوق الملكية، وقيم التخصص وتقسيم العمل حيث أظهر السومريون حبهم للعمل المنظم والتي َولْدَّت قيم العمل والتفاني في أدائه(1). فضلا عن ولعهم بالقيم السياسية وحكم البلاد والسيطرة، أما القيم الدينية فقد أثرت في حياتهم وتداخلت بكافة تفاصيل الحياة مثل العبادات والحياة الإجتماعية(2). واتجهوا الى بناء المعبد وما صاحبه من بر اعة الهندسة المعمارية التي تجلت في العهد البابلي وما رافقها من فن النحت والنقش على الجدران(3)، مما دَلَّ على أن القيم الجمالية كانت ذات أهمية بالغة لدى سكان وادي الرافدين، فضلا عن أهتمامهم بقيم العمل والتنظيم(4)، وشهد العصر البابلي ظهور قيم التشريع والقانون لتنظيم الحياة بكافة تفاصيلها والتي عبر عنها حمورابي في مسلته وسَنَّ قوانينه عليها، إذ إهتم بالحياة الإجتماعية والسياسية والإقتصادية وسَنَّ بذلك القوانين والبنود التي ساعدت الأفراد على تنظيم حياتهم وحفظ حقوقهم، لقد تميز قانون حمورابي بإهتمامه بالقيم التنظيمية وقيم الحرية الفردية وتوجه إلى قيم العدالة وضمان حقوق الأفراد في الثواب والعقاب، حيث إنه أستمد بنوده من واقع حياة البابليين ورغبتهم في المحافظة على تلك القيم التي يحملونها(5).
أما الحضارة الثانية التي عاصرت حضارة وادي الرافدين فهي (حضارة وادي النيل) التي كانت من أعرق بلاد الأرض نظاماً وحكماً وإدارة والتي عبرت عن أهتمامهم بقيمة العمل المنظم فضلا عن القيم الاقتصادية، لقد تمثلت قيمهم بـ (الحق_ والعدل_ والنظام) والتي عبرت عن الصفة الطيبة للإدارة الصالحة، وأُعتبرت هذه القيم صادرة من الإله لتنظيم الحياة(6)، وأخذت القيم الدينية الدور الريادي مثلما هو الحال لدى باقي الحضارات، حيث يعتقد هيرودوت بأن المصريين هم أكثر الناس تمسكاً بالقيم الدينية(7)، كما أظهر المصريين أهتمامهم بالقيم الجمالية التي تمثلت ببناء الأهرامات وهندستها وتقنية التصميم المعماري وما صاحبها من رسومات ونقوش ونحت على الجدران(8).
أما في الغرب فكانت (الحضارة اليونانية) وشأنها شأن سابقيها في إيمانها أن ما من حضارة قامت وإرتقى شأنها إلا وكانت تؤمن بقيمة العمل لديها ، كما ظهر أهتمامهم بقيمة التعليم، فقد حرصت الطبقات الغنية على تعليم أبنائها شتى العلوم كما إهتموا بتعليم القيم الخُلقية في التربية وتوجيه العناية الخاصة لها لأنها مثلت أسمى مكانة في البلاد، وإحتلت القيم الجمالية من بين جميع القيم على مكانة رفيعة في الثقافة اليونانية، وأعطى اليونانيون اهتماماً اكبر بقيم الأخلاق والصحة والقوة والجمال التي ساعدتهم في الحصول على الذوق الجمالي في الأشياء، لعبت القيم الدينية دوراً بارزاً في حياتهم مثلما هو الحال في فنونهم(9). وأتسمت الحضارة اليونانية بعصر الفلاسفة فإهتمت بدراسة القيم فلسفياً من حيث ماهيتها وأصنافها ومقاييسها وإنها إذ تختلف بإختلاف المذاهب والمدارس ولها شأنها في المنطق وعلم الجمال والأخلاق والإجتماع وعلم النفس والسياسة، وتُشكل هذه المباحث قسماً خاصاً من أقسام الفلسفة المسمى الأكسيولوجيا (Axiology)،(10) فيشير بيومي 1990 إلى أن مصطلح القيمة قديم قدم الإنسانية نفسها إلا إنها كانت محور إهتمام الفلاسفة، إذ تبدأ مع أفلاطون الذي رأى أن الخير هو قيمة عليا إذ أنه يضع القيمة المبدأ الأعلى للوجود(11) فيقول “إن الله هو مقياس كُل شّيءٍ أي إنه الخير المطلق والوجود المطلق وهو القيمة العليا التي تستمد منها سائر الكائنات قيمها بحسب قربها أو ابتعادها عنها” فتمثلت القيم بالخير_ الحق_الجمال الذي هو موضوع تأمل الفلاسفة.(12)
وتميزت (الحضارة الرومانية) بالطابع الارستقراطي الذي بدا واضحاً في مظاهر الغنى والبذخ والترف الذي عبر عن إهتمام الرومان بحياتهم الإقتصادية وقيمها التي سادت في اعتقاداتهم لمدة طويلة، فضلاً عن ذلك فقد برزت قيم القوة والحكم والسيطرة وبسط النفوذ على بقاع واسعة من الأراضي، وهنا نبعت قيم التنظيم في إدارة شؤون الإمبراطورية والجيش الذي إستطاعت روما من خلاله إحتلال البلدان، وساعدت قيم التنظيم والسلطة والإلتزام وإحترام القوانين على نهضة روما وإتساع رقعتها، أما القيم الدينية والجمالية فكان شأنها مثل باقي الحضارات، وأظهر الرومان ميلهم إلى إستخدام التقنية والمادية في فنونهم التي تتيح لهم إثبات وجودهم على الأرض إذ أصبحت قيم الفنون من القيم الثابتة لديهم جيلاً بعد جيل.(13)
وأتسمت الحياة في الحضارة الشرقية والمتمثلة في (الحضارة الصينية) بسيادة القيم الإجتماعية وقوة الروابط الأسرية وإنتسابهم لعائلاتهم، وكان العمل هو أهم الأمور لديهم مؤمنين بقيمة العمل والطاعة لولاة أمرهم، إن ذلك الولاء العالي لأرباب العمل عبر عن قيم الطاعة والتضحية والفـداء وكل هذه القيم الإعتقادية التي سادت في المجتمع الصيني إنما هي نابعة في الأساس من تأثير القيم الدينية(14)، وإرتبطت القيم الصينية بتعاليم الكونفوشيوسية التي إستندت إلى إطار التوجيه، فمعظم الدراسات تتفق على أن قيم الثقافة الصينية هي نتيجة للنظام الإجتماعي، فدراسة1988 young قدمت عرضاً لأنواعها الثقافية على أساس النظام الإجتماعي السائد فقسمت إلى القيم السلطوية (هرمية المنظمة الإجتماعية) وقيم الجماعة، أما parson فيشير إلى أن القيم التقليدية الصينية هي نتيجة لإنجازات الجماعة، وهو بذلك يشير إلى قيم الجماعة وقيم المسؤولية التي جاءت في المقام الأول في المجتمع الصيني فالمسؤولية تجاه الإمبراطور والمجتمع والأسرة وإرتبطت مع قيم العمل وقيم الأداء برباط وثيق، كما ساعدت الأفكار على هيمنة القيم الأخلاقية والدينية(15).
ثم تأتي (الحضارة الهندية) التي سادت فيها القيم الدينية على جميع البلاد وكانت الأساس الواضح في تفاصيل حياتهم، أما القيم الإجتماعية كتنظيم الأسرة والإنتماء للقبيلة أو العشيرة، فقد كانت من القيم التي تمسك بها الشعب الهندي على أختلاف العصور(16). ولم تكن القيم الاقتصادية أقل شأناً فقد كانت واضحة المعالم في فن العمارة والرسم، كما كانت تأتي قيم القوة والسلطة للاسرة الحاكمة من ايمانها بالقيم الاقتصادية، أما القيم الدينية فقد منحتهم مجموعة من القيم تمثلت بقيم القبلية وقيم الشهامة والتفاخر والإستقلال والكرامة والإحترام، وكان الملك صاحب المثل الأعلى في القيم والإنموذج الأكمل(17).
وإذ إتجهنا إلى غرب المحيط الهادي، حيث نجد أعظم إمبراطورية في الشرق الأقصى مكونة (الحضارة اليابانية) التي تميزت بطابعها الخاص ونسقِها الإجتماعي، فكانت الحياة اليابانية غاية في البساطة مع إرتقاءٍ عالٍ للقيم المتمثلة بالأمانة والصدق وإحترام القانون والطاعة والفداء والتضحية، أما قيمة العمل وإحترامها فقد إرتبطت به قيم الأمانة والصدق والإخلاص والمهارة والإبداع لإرضاء الآلهة أولا وأفراد المجتمع ثانيا(18)، ونالت القيم السياسية إهتمام اليابانيين على مختلف العصور، ففي الدراسة التي قام بهاBellah 1957 للمدة (1868-1600) كانت نتائج الدراسة سيادة القيم السياسية وإنها تأكيد عظيم لنيل أهداف النظام، كما كانت قيم الولاء متأصلة في كافة أنحاء الهيكل الإجتماعي الياباني(19).
ويأتي دور (الحضارة العربية) إذ إحتفظ العرب قبل الإسلام بقيم المجتمعات العربية الأصيلة التي تمثلت بقيم الأخلاق والشجاعة والمروءة والشهامة التي سادت الحياة الإجتماعية آنذاك أما(20). وكانت القيم الجمالية والدينية قبل الإسلام تُمثل بُعّداً عَميقاً في حياتهم مثل سائر المجتمعات، وبظهور الإسلام فقد حمل معه القيم الإسلامية الجديدة ومعززاً للقيم الجيدة التي كانت سائدة، فقد أكد القرآن الكريم على أهمية القيم التي جاء بها الدين الإسـلامي بقولـه تعالى ﴿إنَّ هذاَ القرآن يَهْدي لِلَّتي هِيَ أَقْوَمُ﴾ الإسراء الآية”9″ على أن أول ما أُنزلَ من القرآن يُعدًّ في حد ذاته دعوة لقيمة إنسانية عليا هي قراءة القرآن وتلقي العلم الهادف لبناء الإنسانية(21)، فالإسلام يؤمن بالقيم الإنسانية المتكاملة في مجال الروح والمادة ويُقرُ بثبات القيم العليا التي جاء بها الوحي(22)، وإن الله في الإسلام هو القمة العليا، فجاء الإسلام ليضع للبشرية القيم المثلى فكانت قيم (الحق_ العلم_ العمل_ التقوى_ الحرية_ العدل_ الرحمة_ السلام)(23)،إذ أنها لم تكن مبادئ نظرية جاء بها ولكنها سلوك وعمل وواقع حياه لتكوين الفرد الصالح وقيام المجتمع القوي السليم الذي يتعاون أفراده على البر والتقوى وتستقر فيه دعائم العدل والسلام(24)، وجاءت النصوص القرآنية لتؤكد أهمية القيم الجيدة بقوله تعالى يصف نبيه الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ﴿وَإِنَّك لَعَلى خُلُقٍ عَظيمٍِ﴾ القلم الآية”4″(25)، وتحدث القرآن الكريم أيضاً عن قيم حرية الفرد في المجتمع الذي يعيش فيه، فهي ضوابط لتنظيم حياة الناس أفراداً وجماعات وضمانات تحول من دون تعرضهم لما يفسد عليهم حاجاتهم ويعرضهم لكثير من الشر والأخطار، فيقول عز وجل ﴿وَمَنْ يَتَّعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَأَوُلئِكَ هُمُ الظَّاِلمُونَ﴾ البقرة الآية “229”(26)، وجاء الإسلام ليؤكد على القيم الأخلاقية فيُشير إلى أن الإنسان الكامل هو إنسان أخلاق وقيمه هي الشرف والفضيلة والشجاعة والتضحية والصدق والأمانة والمسؤولية والإعتماد على النفس فضلاً عن الأخلاق العلمية كأمانة القول والعلم، وقيم الأخلاق الإجتماعية كالنظام والتعاون والثقة وخدمة الآخرين(27).
ومع بداية ملامح قيام النهضة الأوربية خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر بدأت أول ملامح التغيير للقيم حيث تبلورت المفاهيم المادية للإنسان حول نفسهِ وقيمهِ وعالمهِ المحيط به(28)، وشهد القرن التاسع عشر الثورة الصناعية إذ سادت القيم المادية على باقي القيم في وقت من الأوقات أبان ظهور تلك الثورة حيث كان الهدف الربح المادي عن طريق الاستثمار وظهور حالة التنافس الكبيرة والتخصص في المنظمات(29)، وشهدت هذه الفترة بداية لدراسة موسعة للقيم في مجالات علمية مختلفة، فقد شَكَّلت دراسة القيم جزءاً هاماً في دراسة علوم الإنسان حيث بدأ بعض الباحثين بإستخدام القيم كمدلولات يمكن أن تُدَّرس موضوعياً لإدراك وتفسير الطبيعة الإنسانية المتعددة الجوانب وشَكَّلت القيم جزءاً من الفلسفة والأخلاق وكانت محور إهتمام الفلاسفة المحدثين والمعاصرين، وأستخدم علماء الإقتصاد مصطلح القيمة لتوضيح الكيفية التي تحدد بها قيمة الأسعار فضلاً عن عَـَّد القيمة هي التبادل والفائدة والمنفعة، وأنشغلت العلوم السياسية بالقيم الإنسانية التي تُحرك العمليات السياسية مع إعطاء إهتماماً خاصاً بقيم القادة وتأثيرها الفاعل في التحديث والتنمية الإجتماعية والدور الذي تؤديه القيم الإيديولوجية في الحركات الثورية وحركات الإصلاح، وعالج علماء النفس موضوع القيم ضمن موضوعات علم النفس بدراسة فروق القيمة بين الأفراد والجماعات ودراسة الرغبة والدوافع والحاجة والمشاعر والإنفعالات ومعايير الشخصية الثقافية والجوانب السيكولوجية، وبحث موضوع القيم ضمن موضوعات علم الإجتماع وأهميتهِ في الحياة الإجتماعية والعلاقات الإنسانية، وإرتبطت دراسة القيم بالأنثروبولوجيا وتتبع جذورها التطورية والثقافية لفهم نسق القيم الثقافية أو ما يسمى (النمو التطوري للثقافات)، ودخلت دراسة القيم في علم الإدارة ودراسة السلوك التنظيمي للأفراد وأهميتها في تحقيق أهداف المنظمة بشكل عام ومنها المنظمات السياحية لدراسة القيم السياحية لأن الضيوف هم جوهر عملها(30).
وشهد القرن العشرون الثورة التكنولوجية والثورتان كلتاهما وليدتا العلم وثمرة المناهج التجريبية وبها تطورت حياة الإنسان، وهذا التطور ساعد على تبني قيم جديدة غير القيم المتوارثة وهي إنما تمس حياة الإنسان وقيمه الروحية(31). لقد كانت أول مظاهر الثورة الصناعية تغييراً في القيم الإجتماعية والإقتصادية والثقافية وحتى في التركيب الإجتماعي السائد والتوجه نحو قيم العمل والإنتاج والفردية(32). وإن هذا التطور السريع والمستمر في الثورة الألكترونية أثرت بشكل كبير في العلاقات الإنسانية والإجتماعية وفي قيم المنظمة القديمة والتوجه نحو قيم جديدة مثل قيم الابتكار والإبداع، كما أثرت العولمة في المجتمع وسلوك الإفراد وفي قيم الحياة الأسرية والتنظيمية والإقتصادية والسياسية والمعتقدات الإجتماعية وظهور قيم جديدة مثل (الفردية، والإنتماء، والحرية والديمقراطية، والمساواة، والأستقلالية، والإندفاع لتحقيق الذات، والعدالة الإجتماعية)(33). وإذ شهد العالم ثورة الإتصالات التي رافقت العولمة وحدوث إنهيارٍ وتغيرٍ عامٍ للقيم وعمت قيم الفساد والرشوة في المجتمع وسادت أخلاقيات السوق المفعمة بالمصالح المادية، فضلاً عن تغير للقيم الثقافية والإجتماعية التي هي لُب حياة المجتمع بوصفها طريقة لرؤية العالم والتعبير عنهُ(34).
ومع إستمرار تقدم الثورة التقنية التي أدت إلى تقليل ساعات العمل ظهرت قيمة وقت الفراغ ومحاولة الإفادة منه، ولتعقد المدنية وكثرة مشكلاتها وضغوط الحياة التي ولدتها الثورة الصناعية، فقد برزت قيمة السياحة كحاجة ملحة وأساسية أكثر من أي زمن مرت به وأصبحت قيمة مهمة وملحه فسُمي القرن العشرين بقرن السياحة، فمن خلال السياحة يسعى الفرد للترفية وإستعادة نشاطه وتخلصه من ضغط العمل(35).فالسياحة ظاهرة قديمة وحديثة، فيرجع البعض نشأة وتطور السياحة إلى رحلات “هيرودوت” الذي قام برحلاته الشهيرة بقصد معرفة القيم الأخلاقية لدى شعوب العالم فضلاً عن أنظمتها السياسية والإجتماعية ومعرفة طريقة معيشتها، فقد تميزت اليونان في مرحلة ما قبل الميلاد بجذبها للسياح من أنحاء مختلفة من البلاد لمشاهدة “الألعاب الأولمبية” ولتوافر عيون المياه العلاجية فيها فكان الناس يأتون لمعالجة أمراضهم، فضلاً عن إسهامات الرحالة الذين ساحوا في البلاد بدافع حب الإستطلاع والمعرفة والمغامرة أو لأنهم مكتشفون أمثال كريستوف كولومبيا وفاسكو دي جاما ومن العرب مثل أبن بطوطة في رحلته للفترة من (1354-1325) التي تضمنها بكتابهِ “تُحفة الأنظار في غرائب الأمصار وعجائب الأشعار” والمسعودي في كتابهِ “مروج الذهب” عام (943)، حيث وصفوا رحلاتهم حول العالم التي أثارت إهتمام العالم ورغبتهم في المغامرة والسفر للتعرف على تلك البلدان والتي ولدت قيمة المغامرة والسفر لدى بعض الناس، ففي القرن السادس عشر تولدت رغبة لدى بعض الأشخاص في السفر إلى المدن والعواصم التي تتمتع بمباهجها وما تضمه من قصور ملكية جميلة أو لإحتفاظ بعض المدن بمغريات سياحية هامة أو لِعَدّها مركزاً ثقافياً يجذب الضيوف من بلدان شتى لمشاهدة هذه المغريات، ويشير تأريخ السياحة العربية مابين القرن الثامن والرابع العشر، أي طيلة ستة قرون من العصور الوسطى بإسهام العرب في تطور السياحة وإنفراد العرب بالسياحة في تلك المدة، ففي فترة العصر العباسي أصبحت بغداد قبلة العالم وَعُدَّت نقطة المركز في سير القوافل وتلقي العلم والمعرفة ومركز الثقافة في العالم فكان الأشخاص يأتون إليها من كافة أنحاء البلاد إما لتلقي العلم أو الإستشفاء أو للترفيه ومشاهدة جمالها، فضلا عن مدينة قرطبة التي أضحت من المدن المهمة التي تحمل طابعاً خاصاً في البناء والعمارة، فقد كانت مركزاً تجارياً وإقتصادياً مهماً لكل طالب سواء للكسب المادي أو للترفيه ومشاهدة مغريات المدينة(36). ولدى تتبع تأريخ السياحة نجد أن أول دافع لها كان بسبب الدافع الديني والعلاجي فكانت تمارس قرب المعابد لغرض الإستشفاء وكانت المعابد تقدم خدمة للضيوف بإيوائهم وإطعامهم، فيما أتسمت السياحة الدينية عند العرب بموسم الحجيج وكان العرب يتسابقون لسقاية وخدمة الحجاج وإن القبيلة التي تقوم بتلك الخدمة كانت تنال شرفاً عظيماً(37).