التكيف التنظيمي على وفق المدارس الإدارية

ظهرت مدارس الفكر الإداري كنتيجة للتغير السريع الذي حدث في بيئة العمل، فظهرت مدرسة الإدارة العلمية لرائدها Frederic W. Taylor (1917-1856) ثم أنظم لهذه المدرسة كل من Frank & Lillian Gilbreth (1924-1858) وHenry Gantt (1919-1861) Harington Emerson (1931-1853)(54)(55)(56). جاءت فلسفة هذه المدرسة نتيجة لما حدثَ من تغيرات إقتصادية ومشكلات إنتاجية كبيرة أدت إلى تدهور الصناعة، ومن خلال دراسة التوجهات الفكرية والفلسفية لهذه المدرسة يمكن أن نستقرأ بأنها قد وضعت الأُسس الأولى لتكيف العاملين مع الآلات المستخدمة وتغيير لطريقة الأداء والوسائل المستخدمة وبعمقٍ أكثر يتضح لنا أن باحثي ورواد هذه المدرسة قد إستخدموا أنظمة وطرائق مختلفة ليتمكن العامل من التكيف مع بيئة عمله وزيادة إنتاجيته مثل إستخدام نظام الحوافز وتقسيم العمل كدافع للتكيف، مع إستخدام القوانين والتعليمات التي تفرض على العامل تكيفهُ مع عملهِ، وأعطى رواد هذه المدرسة إهتمام بالجانب النفسي للعاملين وإذ ما فسر ذلك فانه يُبَين أنها كانت محاولة جادة لدراسة العوامل النفسية وأثرها في عملية التكيف ورفع الأداء.

وجاءت المدرسة البيروقراطية لمؤسسها Max Weber (1864-1920) ثم أعقبه كل من Merton (1936) وSelznick (1934) وGouldner (1954)(57)(58). لتحدد المواصفات المثالية للمنظمة من خلال إنموذجها المثالي، ومن خلال إستقراء ذلك الإنموذج يتضح بأنه إنموذج مثالي لتكيف العاملين مع بيئتهم ولمواجهة المشكلات المعقدة، وبتحليل إنموذج فيبر يتبين إنه أساس لتنظيم العمل على وفق القوانين والتشريعات التي تسمح لكل العاملين بأداء واجباتهم على الوجه الأمثل ومع إنجاز تلك الواجبات المحددة يتمكن العاملين من التكيف مع بيئة العمل بطريقة أفضل، وترى الباحثة في وصف فيبر لإنموذجه أن المنظمة كلما زادت إستجابتها للمتغيرات البيئية كانت فرصتها أفضل في التكيف مع المتغيرات المعقدة بالرغم من إهتمام هذه المدرسة ببيئة العمل، وإذا ما حللنا تصميم إنموذجه للهيكل التنظيمي نجد إنه صمم لتتمكن المنظمة من التكيف مع بيئتها من خلال ما وضعه فيبر من القواعد والإجراءات والسلطة والرقابة والتنسيق.

وبرزت مدرسة المبادئ الإدارية لرائدها Henry Fayol (1841-1925) وأنضم لهذه المدرسة كل من Moony & Reily (1931) وUrwick & Guilick (1937)(59)(60). ترى الباحثة من خلال فلسفة هذه المدرسة بأن المبادئ الأربعة عشر التي طرحها فايول تمثل إنموذجاً تكيفياً للعاملين وللإدارة وصولاً للأهداف الأساسية التي تسعى لها المنظمة، ومن خلال تحليل فلسفة المدرسة يتضح إن عملية التكيف تمثل فناً وأسلوباً للتوجيه والتنظيم وتنسيق الأعمال والواجبات والوظائف، ويمكن تفسير أفكار رواد هذه المدرسة بأن حالة التكيف تتم بالتعاون بين الإدارة والأفراد لتحقيق التكامل في الأعمال، وإذ ترى الباحثة بأن فلسفة المدرسة جاءت لتوضيح حالة التكيف بالملائمة والتنسيق والتغيير والأنتقال لحاله أفضل. وجاءت نظرية Oliver Sheldon 1933 وعبر تحليل مفاهيم فلسفة نظريته نجد أنها مثلت لنا صورة لحاله التكيف بان على الإدارة أو المنظمة التكيف بطريقة معينه مع المجتمع الذي تقدم له خدماتها من جهة والعمل على تكيف الأفراد العاملين مع الإدارة من جهة أخرى بإعتماد مبدأ التعاون ووضع السياسات والبرامج والخطط والتنسيق بين الوظائف وتنمية وتطوير كفاءة العنصر البشري ليصبح أكثر قدرة في الإنسجام والموائمة.

ونتيجة لتبلور مفاهيم الفكر الإداري وتطورها ، فقد ظهرت المدرسة السلوكية التي تركزت فلسفتها على الجوانب السلوكية فكانت منها مدرسة العلاقات الإنسانية (1932-1924) لرائدها Elton Mayo وزملائه(61). وعبر تحليل فلسفة هذه المدرسة نجد أن العامل لديه القدرة في التكيف مع المتغيرات التي تحدث في بيئة العمل نتيجة تكيفهم في مجاميع عمل غير رسمية تمكنهم من الإستجابة إزاء الظروف المتغيرة في بيئة عملهم، ومن خلال دراسة فلسفة هذه مدرسة بعمق أكبر نجدها تفسر لنا أن الإنسان كائن إجتماعي بطبيعته يميل للعيش ضمن مجاميع متكيفاً مع أعضائها للمحافظة على نوعهِ وجنسهِ متحدياً ومستجيباً للظروف والمتغيرات التي تحيط به.

وبرزت مدرسة السلوك الإنساني لرائدها Mary P. Follett (1868-1933)(62)، وترى الباحثة في تفسير فلسفة المدرسة لمفهوم التكيف بأنه حالة الإنسجام بين الجماعات ومحاولة تنسيق جهود الجماعة لإنجاز الإعمال مبينة أن حالات التكيف هي حالات شعورية تتعلق بمشاعر وعواطف العاملين، وبتحليل أفكار هذه المدرسة نجد أن حالة التكيف تتمثل بقدرة الإنسان في التحدي والمقاومة والتعبير عنها بالإبداع والإبتكار، وإن التكيف يأتي عن طريق تدريب العاملين على وظائفهم لتحقيق أهداف التنظيم.

وظهرت بوادر فكرية جديدة بإتجاه فكري حديث أعطت للأثر البيئي أهمية كبيرة في تحقيق المنظمة لأهدافها، فأوضحت لنا مفاهيم المدارس الحديثة حالة التكيف بصيغة جديدة وَعَدَّت المنظمة  جزءاً من النظام العام المحيط وهو البيئة. فعبر تحليل فلسفة نظرية التفاعل لرائدهاWilliam Von Wite(63). يتضح بأن التكيف يمثل التفاعل الذي يحدث بين الفرد والبيئة التي يعيش فيها ومع ما يحمله الفرد من إدراك تجاه البيئة الخارجية المتمثلة بـ (الإقتصادية، والإجتماعية، والتكنولوجية، والسياسية، والقانونية) فأن هذه المتغيرات تفرض على المنظمة ضغوطات معينة وإن عليها التكيف والإستجابة لها بإستخدام الخطط والإستراتيجيات الممكنة. وفي تفسيرنا لحاله التكيف في فلسفة نظرية النظام التعاوني لرائدها Chester Bernard (1961-1886) (64). نجد أنها تمثل حاله التعاون بين أجزاء المنظمة للرد على المتغيرات البيئية أو الإستجابة لتلك المؤثرات والقوى الخارجية، فالمنظمة كالإنسان لها القدرة على التكيف والتوازن بين البيئة الداخلية والخارجية والرغبة في البقاء والأستمرار.

وبرزت إلى حيز الوجود مدرسة النظام المفتوح والمدرسة الموقفية ضمن مدارس الإتجاه الحديث والتي أعطت للبيئة أهمية كبيرة في تحقيق المنظمة لأهدافها، فجاءت لتُبَين على أهمية خلق التوازن مع البيئة وإن على القيادات أن تُعطي إهتماماً أكبر للظروف البيئية عند إتخاذهم القرارات الإدارية(65).

أوضحت مفاهيم مدرسة النظام المفتوح بأن المنظمة كنظام لا يوجد ما يفصل بينها وبين بيئتها وإن وجدت فأنها حدود وهمية لا يمكن رصدها علمياً بسهولة ويتبين من فلسفتها بأن التكيف التنظيمي يمثل أحد أشكال العلاقة بين المنظمة وبيئتها(66).وعبر إستقراء تلك الفلسفة نتوصل إلى حاله التكيف والتي تمثلت بحالة التفاعل التي تحدث بين أجزاء النظام التي ترتبط بعلاقة تفاعلية مع البيئة الخارجية وإن على المنظمة أن تكون في حاله من الإنفتاح المستمر مع بيئتها لوجود تفاعل بينهما وإن أي تغيير يحدث في البيئة يؤثر على المنظمة بطريقة معينة.

 

وجاءت المدرسة الظرفية أكثر تأكيداً وإيضاحاً لعلاقة المنظمة بالبيئة الخارجية وإرتباطها بها لأنها تتسم بحالات عدم التأكد والتغير المستمر والتي تؤثر على مجمل نشاطات المنظمة(67). وعبر النظر إلى فلسفة المدرسة الظرفية نستقرأ بأن حالة التكيف والإستجابة لا تكون بشكل واحد متشابه أو بطريقة واحده مثلى أمام جميع المتغيرات البيئية، وإنما يكون التكيف بأشكال مختلفة وطرائق مختلفة إزاء المواقف التي تواجهها المنظمة فالإحداث في البيئة الخارجية متعددة ومتغيره ولها أثرها الفاعل في نشاط المنظمة.