السياحة العراقية وتنمية ونمو الاقتصاد
إن الاقتصاد العراقي يعتبر اقتصادا مركبا حيث يعتمد على انتاج الموارد الطبيعية مثل النفط والغاز والكبريت والفوسفاط وعلى منتجات أخرى طبيعية وكذلك يعتمد الاقتصاد العراقي على الزراعة بشقيها النباتي والحيواني والغابات والموارد المائية …. إضافة على اعتماده على الصناعة التقليدية المنتشرة في جميع المحافظات العراقية … أما الصناعة السياحية وبكل معطياتها الدينية والترفيهية والتاريخية والإثارية فإنها لم تحض بالمستوى المطلوب والمرجو منها
وعلى صعيد الاقتصاد العراقي ، ففي النصف الثاني من السبعينات والسنوات الأولى من الثمانينات لم تكن هناك مشكلة بشأن العملات الأجنبية بسبب قوة الاقتصاد العراقي والعوائد الكبيرة المتحققة من جراء تصدير النفط والاستثمار السياحي الكبير الذي تحقق ضمن حدود القطاع الاشتراكي لم يكن يعول على جعل السياحة مصدر للعملات الأجنبية بقدر ما كان يبغي تحقيق أهداف أخرى غالبيتها غير مادية، بل إن السياحة في عقد الثمانينات اصبحت مصدرا
لاستنزاف العملات الأجنبية بدلا من كسبها ، إذ حولت عملات أجنبية كثيرة لحساب الشركات الأجنبية المنفذة للمشاريع السياحية التي تدير وتشغل الفنادق الكبرى ، فضلا عن تحويل (60%) من أجور العاملين غير العراقيين بالعملات الأجنبية.[1]
وقد ظهرت مشكلة العملات الأجنبية في النصف الثاني من عقد الثمانينات بعد أن عانى العراق من صعوبات في تصدير نفطه انعكست سلبا على عوائده المالية المتاحة، الأمر الذي أدى شحة العملات الأجنبية، وكان لذلك اثر بليغ على حركة الاستثمار السياحي ، اذ توقفت الحكومة عن ممارسة الاستثمار السياحي واتخذت العديد من الإجراءات للحد من استنزاف العملات السياحية من قبل النشاط السياحي واستمر الحال على ما هو عليه في عقد التسعينات وفي ظل الحصار الاقتصادي، بسبب الظروف الاقتصادية تلك ، واجه الاستثمار السياحي مواقف حرجة لعملية التحول باتجاه الوحدات الكبيرة والمتطورة وذلك كنتيجة لطبيعة تركيز اعتماد الأسواق السياحية في العراق على الطلب السياحي المحلي ذو الإنفاق السياحي المنخفض نسبيا، بالإضافة إلى عدم تمكن البيئة السياحية في القطر من اقناع وجذب السياح العرب والأجانب من ذوي الدخل العالي لقضاء بعض أوقاتهم في بيئات تعاني من نقص شديد في مشروعات البنى التحتية وخاصة فيما يتعلق بالنقل والمواصلات وضعف الجهاز الإداري وانخفاض مستوى الوعي السياحي بالإضافة إلى تدهور نوعية المنتوج السياحي .[2]
حيث تساهم السياحة كصناعة تصديرية في تحسين ميزان المدفوعات الخاص بالدولة بتحقيق هذه النتيجة لتدفق رؤوس الأموال الأجنبية المستثمرة في مشروعات سياحية، والايرادات السياحية التي تقوم الدولة بتحصيلها من جمهور السائحين وخلق استخدامات جديدة للموارد الطبيعية والمنافع الممكن تحقيقها نتيجة خلق علاقات اقتصادية بين قطاع السياحة والقطاعات الداخلية الأخرى، ويجب أن يراعي
في هذا الشأن الآثار السلبية لهذه المشروعات على ميزان المدفوعات.[3]
ان أحد أهداف التنمية السياحية هو جلب العملة الصعبة خاصة بالنسبة للدول النامية وذلك لشراء التجهيزات وغيرها الضرورية للتنمية الاقتصادية الشاملة ولذا يعتبر القطاع السياحي كقطاع مصدر بالنسبة للدول المستقبلة للسواح، بينما تعتبر النفقات السياحية المدفوعة من طرف المواطنين في الخارج كواردات ( خروج العملة الصعبة)، فهذه الايرادات والنفقات تدمج في في ميزان المدفوعات كعنصر من عناصره تحت عنوان ” السياحة ” أو ” السفر” في المجموع الجزئي لميزان السلع والخدمات.
إن أثر السياحة الدولية في ميزان المدفوعات وهنا يمكن تعريف ميزان المدفوعات بأنه سجل منتظم تقيد فيه كافة المعاملات الاقتصادية التي تجري بين الأشخاص المقيمين على اقليم الدولة والأشخاص المقيمين على أقاليم دولة أخرى خلال فترة معينة ( عادة سنة) . [4]ويتكون ميزان المدفوعات من جانبين جانب دائن تدرج به كافة العمليات التي تحصل فيها على متحصلات ( حقوق) من العالم الخارجي وجانب مدين به كافة العمليات التي تدفع فيها الدولة مدفوعات ( ديون ) الى العالم الخارجي كما يمكن وضع للسياحة ميزانا خاصا بها يسمى الميزان السياحي ، يمثل رصيد هذا الميزان مدك تأثير السياحة من ميزان المدفوعات الجاري بحيث يمكن أن يكون هذا الرصيد :
– موجبا : ويكون في البلدان التي لها فائض في الميزان السياحي ، مثل اسبانيا ، ايطاليا و أغلب الدول النامية.
– سالبا : ويكون في البلدان التي لها عجز في المجال السياحي ، مثل ألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية.
– معدوما : يكون الميزان متوازنا ، أي الايرادات تساوي النفقات فاذا كان هذا الرصيد موجبا فانه اما يزيد في فائض ميزان المدفوعات أو ينقص من عجز هذا الميزان حسب الوضعية.
أما اذا كان هذا الرصيد سالبا فانه ، ينقص من فائض ميزان المدفوعات أو يزيد في عجز هذا الميزان
ان خدمات ( ايرادات ، نفقات ) السياحة تدرج في حساب التجارة غير المتطورة ( حركة الخدمات )
تحت عنوان “السياحة أو السفر” باعتبارها عنصرا من عناصره والتي بدورها ( أي التجارة غير المتطورة) عنصر من عناصر ميزان العمليات الجارية ويعد انفاق غير المقيمين ( السائحين الأجانب ) في الداخل ايرادات تقيد من الجانب الدائن وهذا الانفاق بدوره يمثل صادرات ( غير متطورة ) للخدمات والأنشطة السياحية ، أما انفاق المواطنين في خارج البلد يعد نفقات (مدفوعات) ، تقيد الى جانب المدين وهذا الانفاق يمثل واردات ( غير متطورة ) للخدمة والأنشطة السياحية. وتلجأ الكثير من الدول التي تولي أهمية كبيرة للقطاع السياحي ، الى اعداد ميزان فرعي خاص يمثل الميزان السياحي وقد يأخذ الميزان السياحي شكل أدق وأوسع ، بحيث يشمل عناصر أخرى ترتبط مباشرة بالنشاط السياحي ، كعائدات الاستثمارات السياحية ( الفوائد والأرباح والضرائب والرسوم المختلفة ) ونقل المسافرين البري والبحري والجوي … الخ.
وثمة ملاحظة مهمة وهي أن انتعاش حركة السياحة والقطاع السياحي سيؤدي حتما لانعاش حساب الخدمات العامة كالتأمين والنقل والنفقات وحوالات المغتربين وزيادة المنح و الهبات والقروض لتطوير الاستثمارات السياحية وعناصر أخرى.
وهناك عوامل أخرى عند تحسين ميزان المدفوعات منها[5]:
أولا … زيادة القيمة المضافة ( قيمة الانتاج القومي ) والناتج الوطني ( الناتج المحلـــــــي الاجمالي ) لأن المنافع المذكورة سلفا ( خلق فرص عمل جديدة ، تحسين مستوى المعيشة واستغلال الموارد الطبيعية المتوفرة …الخ) ، بافتراض ( ثبات عوامل أخرى كثيرة ) يمكن أن تؤدي الى زيادة ملموسة للقيمة المضافة والناتج الوطني للدولة ،ن فالأجور المدفوعة للعاملين بالمنشآت والمشروعات السياحية والأرباح المتحققة لأصحاب المشروعات السياحية والتدفقات المالية الأخرى ، وانشاء المشروعات والمرافق الجديدة الخاصة بإنتاج المستلزمات السلعية والخدمية المختلفة للفنادق ، بالإضافة الى النجاح .
ثانيا … اثر المضاعف (نسبة تستخدم كوسيلة لقياس مقدرة البنوك على خلق النقود في الاقتصاد الوطني)[6].
[1] مروان السكر. مختارات من الاقتصاد السياحي – الأردن مجدلاوي للنشر والتوزيع سنة 1999 ص142
[2] حميد الطائي – أصول صناعة السياحة،… مؤسسة الوراق للنشر والتوزيع- عمان ص178
[3] أحمد ماهر، عبد السلام أبو قحف – مرجع سبق ذكره ص : 25
[4] محمد ابراهيم غزلان : موجز في العلاقات الاقتصادية الدولية وتاريخ الفكر الاقتصادي الاسكندرية مصر دار الجامعات المصرية سنة 1975 ص 25
[5] اقتصاديات السياحة مجموعة الدراسات : مصر مؤسسة الثقافة الجامعية سنة 1985 ص 93
[6] المضاعف النقدي http://www.algerian2.com/t2421-topic#ixzz24mgGFG7R منتديات المغرب العربي