مفهوم التكيف
تناول موضوع التكيف مجموعة من الباحثين والدارسين في مجالات علمية مختلفة محددين مفهومه عبر توجهاتهم الفكرية والفلسفية، ولتباين آراء الباحثين وتعدد المجالات العلمية التي تناولت الموضوع أرتأت الباحثة طرح مفهوم التكيف لدى علماء وباحثي تلك الإختصاصات بغية توسيع الأفق وإدراك ماهية التكيف لديهم ثم بيان مفهومه لدى باحثي ومنظري رجال الإدارة.
سعى 1859 Darwin لتوضيح مفهوم التكيف عبر ما طرحه في كتابه “أصل الأنواع” في النشوء والأرتقاء معبراً عنه بأنه “حاله التطور البشري في سلم الأرتقاء التي مر بها الإنسان“(24). وجاء باحثو الجغرافية ليعبروا عنه بالإنسجام مع عناصر البيئة المتنوعة والمؤثرة بشكل مباشر أو غير مباشر على حياة الإنسان، فوصفه 1930 Roxby بأنه “مدى إستجابة الإنسان لظروف البيئة الطبيعية”(25)، وأنطلق علماء الإجتماع في تحديد مفهومه عبر توجهاتهم الفكرية والفلسـفية فوصفه ابن خلدون بأنه “الـرد البيئي الذي يضمن بقاءه وحفظ نوعه”(26)،ووصفه Spinser(1820–1903) بأنه “حاله التوازن بين المجتمعات أو بين المجتمع والوسط الذي يعيش فيه أو بين الأفراد”، وعبر A. Count(1779–1857) بأنه “التطور والتغير الإجتماعي في النظم الإجتماعية لتتلائم مع البيئة المحيطة”(27).ويفسر1958 Toynbee حالة التكيف البيئي “بأنه مدى الاستجابة للعوامل البيئية المؤثرة في حياة الإنسان لضمان البقاء وحفظ النوع البشري”(28).وأعطى علماء الإقتصاد مفهوماً لحاله التكيف فعبروا عنه “بحالة تطور النشاط الإقتصادي وتدرجهُ في المجتمعات”، وفسر علماء التأريخ التكيف بالحالة التطورية والتغيير، فوصفتها نظرية كروبر الحضارية بأنه “الإستجابة والتغيير التي يَعمْد إليها الإنسان من أجل البقاء”(29). وأتجه علماء الأنثروبولوجيا في تفسير تكيف الإنسان مع بيئته بأنها “التغيير المستمر في حياة الإنسان والتي تأتي من الإستجابات الخلاقة التي يبديها هو ومجتمعاته إزاء تحديات البيئة المحيطة”(30).
وسعى معجم المصطلحات للعلوم الإجتماعية 1986 إلى تفسير التكيف بأنه “مصطلح مرتبط بعلم الحياة يدل على تغيير في الكائن الحي سواء أكان في البناء أم في الوظيفة، فيجعله أكثر قدره في المحافظة على حياته أو على أبناء جنسه”(31). وعبر قاموس العلوم الإجتماعية 2002 Oxford بأنه “مدى التغيرات الفسلجية والثقافية الوراثية لدى أفراد المجتمع”(32).وعرفه قاموس Webster 2004 “بأنه إمتلاك القدرة على التعديل بما يتلاءم والظروف البيئية”(33).
وتوجه الباحثون والمتخصصون في مجال الإدارة بصياغة عدة مفاهيم للتكيف التنظيمي من خلال إيمانهم بضرورة تكيف المنظمات مع بيئاتها وإبقائها فاعله ولتعدد المفاهيم تم تصنيفها إلى عشرة تصنيفات، فجاء باحثوا التصنيف الأول ليُعَبّروا عن التكيف بالتغيير الذي تحدثه المنظمة لمواجهه تحديات البيئة الخارجية، على وفق هذا التصور وصفها 1974 Durbin بأنه “التوجه نحو التغيير والنمو غير المحدود للمنظمات التي تسعى من أجل البقاء والأستمرار”(34)،وأتفق معه كل من 1963 Michael(35) & 2006 Obrien(36) بأنه “حالة التغيير التي يمكن أن تحدثها المنظمة في هيكلها من أجل البقاء”، وشاركهم الرأي 2007 hompson.et.al فوصفه “بقبول حالة التغيير ومواجهة التحدي البيئي وتقديم وتنفيذ الاستراتيجيات الجديدة”(37).
وأتفق باحثوا التصنيف الثاني على أن التكيف حلول للمشكلات التي تواجهها المنظمات، على وفق هذه الرؤيا عبر1958 Jahoda بأنه “القدرة لحل المشكلات والرد بالمرونة لمتطلبات البيئة المتغيرة”(38)، وأيده الرأي1970 Scheinبأنه “القدرة على حل المشكلات وللرد بمرونة إزاء المتطلبات البيئية”(39) وأتفق معه كل من Grusk & Miller 1970 بأنه “مجموعة الحلول التقنية للمشكلات الإدارية التي تواجها المنظمات”(40).
وجاء باحثوا التصنيف الثالث ليُعَبّروا عن التكيف بالرد الملائم، على وفق هذا المنظور عرفها 1966Katz & Kahn بأنه “الرد الملائم للأوضاع الخارجية التي تحدث في البيئة”(41)،وشاركه الرأيSchermerhorn 1984 فعَّرفهُ بأنه “القدرة على الرد السريع والإيجابي على المتغيرات البيئية المختلفة والمؤثرة في المنظمة والتي تتطلب القدرة على إتخاذ القرارات”(42).
ونظر باحثوا التصنيف الرابع للتكيف بأنه حالة التوافق مع البيئة، على وفق هذا التصور عرفه 1983 Seashore.et.al بأنه “عملية توافق إستراتيجي بين المنظمة والبيئة الخارجية من خلال تصميم مقاييس إستراتيجية تحليلية تتوافق مع المتغيرات البيئية”(43)، وأيده في ذلك إبراهيم 2006 فعرفه بأنه “عملية توافق إستراتيجي بين التغيرات البيئية وإمكانية بقاء المنظمة وتحقيق أهدافها في البيئة نفسها التي تعمل فيها منظمات متشابهة”(44).
وأكد باحثوا التصنيف الخامس على إنه حالة الإستجابة، على وفق هذا المنطلق عرفها 1972 Mott بأنه “إستجابة المنظمة للتغيرات التي تحدث في بيئة الأعمال الخارجية, إذ يعكس التكيف قدرة المنظمة على مواكبة تغيرات البيئة الخارجية والتوافق معها لمواجهة التحديات التي تؤثر في قدرتها على البقاء والاستمرار(45)،وأيده عباس 2000 فوصفه بأنه “درجة إستجابة الأفراد العاملين لبيئة العمل(46)، وشاركهم الرأي الغالبي وإدريس2005 بأنه “عملية إستجابة المنظمة للتغيرات التي تحدث في بيئة الأعمال الخارجية ووصفها الداخلي وضرورة تكيف حالتها وتصوراتها ونشاطاتها وفقاً لهذا التغير”(47).
وَعّدَ باحثوا التصنيف السادس التكيف بأنه التعديل والتصميم الملائم للرد على البيئة، على وفق هذه الرؤيا عرفها2008 Turban.et.al بأنه “القدرة على التعديل والتصميم لمقابلة النوبات التي تحدث في البيئة الخارجية وفق إستراتيجيات تقنية”(48) ولم نجد من يؤيد هذا التصنيف.
وتوجه باحثوا التصنيف السابع ليصفه بحالة الإنسجام في العمل وفقاً لهذا الوصف عرفّه المرسي 2000 بأنه “تحقيق حالة الإنسجام والتوافق مع قواعد السلوك التي تم بناؤها عن طريق الجماعة”(49)، ولم نجد من يؤيد هذا التصنيف.
وعد باحثوا التصنيف الثامن التكيف بأنه حالة التلاؤم لمشاكل البيئة، ضمن هذا الإتجاه عرفه1960 parson بأنه “حالة التلاؤم مع المتطلبات البيئية”(50)، ولم نجد من يؤيد هذا التصنيف.
وذهب باحثوا التصنيف التاسع ليُعَبّروا عنه بحالة التفاعل بين المنظمة والبيئة، على وفق هذا المنظور عرفهُ Porter 1975 بأنه “عملية تفاعل مستمرة سواء أكانت بين الفرد والمنظمة من جهة أم بين المنظمة والبيئة من جهة أخرى”(51)، وشاركه الرأي نفسه حميد 1984 فعرفه بأنه “قدرة الفرد على التفاعل مع الآخرين ومع نظام العمل”(52).
وتبنى باحثوا التصنيف العاشر على أن التكيف حالة الملائمة ضمن هذا الإتجاه عرفّه 1974 Pollard.et.at بأنه “ملائمة الفرد مع موقع العمل ومجوعة العلاقات مع الأفراد العاملين