أصل التسمية لمدينة بابل الأثرية
سمير خليل شْمُطو
تفوق شهرة بابل لأي مدينة أثرية آخرى في العراق، وقد قال عنها هيرودتس (أبوالتاريخ) عندما زارها في القرن الخامس قبل الميلاد: ليس هناك مدينة في العالم تضاهي بابل بجمال بنائها وروعته. وهناك إشارة تبّين أن اسم بابل كان يسمى ( باب ايليم Babilim ) مدوّنا بالأسلوب العلمي، السومري، والذي ربما أطلق على المدينة التي أعيد بناؤها على يد سرجون الأكدي، وعلى موقع المستوطنة الاقدم ( باربار )، وجاء اسمها خلال حكم شولكي 2094 – 2047 ق. م.
ومدينة بابل لها عدة تسميات منها (تن تر كي) ( Tin – Tir – Ki ) أي موطن الحياة التي يقابلها بالبابلية shubat – Bolati)) أي ( شوبات – بلاطي) وتسمى ( اشنونكي ) والتي تعني ( يد السماء).
وكان أحد أحياء مدينة بابل يسمى نونكي ( Nun – Ki )، وهو اسم من أسماء مدينة أريدو ، وعرفت كذلك باسم ( أي ايشار ) ( E – Ai – shar )، أي مدينة الجميع ، ولها اسم آخر دعيت فيه ( ديمكور – كورا – كي) Demcur – Cura – Ki يعني عقد البلدان . وقد وردت في أسطورة ( إيرا ) في اللوح الرابع اسم مدينة (ديمو – راكي)Demo- Raki ، أي مدينة ملك الآلهة التي ارتبطت في أذهان العراقيين القدامى كونها بمثابة (عقد الكون أو محور العالم).
استخدم مصطلح (بلاد بابل) نسبة إلى مدينة بابل، وقد انتشر استخدامه منذ العصر البابلي القديم، وكتب اسم مدينة بابل بالعلامات المسمارية كما ذكرناه سابقا، والّتي تعني بالسومرية ( باب الإله)، حيث “تعود أقدم إشارة لاسم بابل إلى عهد سلالة أور الأولى في حدود سنة 2650 ق.م، استنادا إلى كسرة من حجر الكلس، تعود للأليشيا كوم، وهو ابن أخ إيلوم حيث كتبها ( باركي بارو ربما )، ويقرأ ( بار باركي )، ويصف نفسه بأنه باني معبد الإله مردوخ ، ويرى سولبيركر أنَّ هذه الإشارة أقدم ذكر لإله بابل من العهود ما قبل البابلية القديمة.
وقد “أطلقت التوراة على المدينة اسم بابل، ومن جانب آخر اطلق الإغريق على بابل في العهود القديمة اسمي( أشوريا ) و( بابلونيا ) دون تفريق، وبمرور الزمن ظهر هناك تفريق بين الاسمين، فأطلقوا اسم (بابلونيا Babyloni) على المنطقة التي يصب فيها نهر دجلة والفرات.
وورد ذكر بابل في القرآن الكريم، إذ قال تعالى: ﴿ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى المَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ ﴾ سورة البقرة / الآية 102. إذ أن القيمة النّصّية تكمن في وجود الملك من خلال القرينة اللغوية فالملكان هاروت وماروت قد تركا أثرا جليا في حضارة بلاد الرافدين.
وقال الأخفش : بابل اسم لا ينصرف لتأنيثه وتعريفه لأنه يتكون من أكثر من ثلاثة أحرف. وذلك أن أسم كل شيء : مؤنث إذا كان أكثر من ثلاثة أحرف فإنّه لا ينصرف في المعرفة قال تعالى: ﴿ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى المَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ﴾.
ومن خلال الاطلاع على الكثير من المصادر التاريخية وجدنا أن أكثرها تؤكد أن معنى كلمة بابل هو (باب الإله)، ولكننا لم نجد متى ظهرت هذه التسمية لأول مرة ؛ إلاّ أن الأكيد هو أن اسم بابل ظهر لأول مرة في العصر الأكدي، حيث أسس الملك الأكدي (شركلي) معبدين في مدينة بابل، وقد استمر اسم بابل اسماً للمدينة حتى دخول الأسكندر لبلاد الرافدين، وانتقال الحكم من بعده عام 313 ق م إلى السلوقيين حيث سميت العراق جنوباً بلاد بابل أما الشمال وأعالي الفرات حتى حلب فقد أطلق عليها أسم بلاد أشور، بخلاف لبنان وفلسطين، حيث أسميت فينيقيا وفلسطين.
إن كثرة الأسماء التي أطلقت على أصل تسمية بابل بهذا الاسم يدل دون شك على كثرة الشعوب الّتي سكنت فيها، وتعدد معتقداتهم الدينية وطرق تدوينهم للاحداث التاريخية أو العمق التاريخي لوجودها، إلاّ أن ذلك لا يقلل من أهمية العثور على الكثير من المدوّنات الّتي تثبت أصالتها وأسماءها التي عرفت بها خلال الحقب التّاريخية الّتي مرّت بها.