رسل زياد راهي

إشــــــراف

أ. م.د مسلم محسن عبود السوداني

دليل الإجماع على جواز السياحة

من ساح بقصد الاجتماع بعالم او صالح فلا يحرم عليه ذلك وان صدق عليه انه هائم لا يقصد محلاً معلوماً([1])، وقوله  صلى الله عليه وآله : ((ولا سياحة)) من ساح في الارض يسيح سياحة اذا ذهب فيها، اراد  صلى الله عليه وآله مفارقة الامصار وسكنى البراري وترك شهود الجمعة والجماعات([2]).

بيان معنى قوله  عليه السلام : (… ما كان حالنا الا سياسة الليل وسياحة النهار) (الذي مر ذكره)، والسياحة مصدر ساح في الارض يسيح سياحة اذا ذهب فيها واصله من السيح وهو الماء الجاري على وجه الارض وانما اضافها الى النهار لان الذهاب الى الجهاد والجماعة ونحوهما الحركة في الارض لإجراء الاحكام على الخلق ونحوه يقع في النهار غالباً([3]) وقوله الصادق  عليه السلام : (ان عيسى بن مريم كان من شرائعه السيح في البلاد)، ساح في الارض يسيح سيحاً اذا سار وذهب فيها ومنه المسيح عيسى بن مريم  عليه السلام ([4])

عن الشيخ الطوسي في اماليه عن ابن مخلد عن جعفر بن محمد بن نصير. عن احمد بن مسروق عن يحيى الجلاء، قال: سمعت بشراً يقول لجلسائه: سيحوا، فان الماء اذا ساح طاب واذا وقف تغير واصفر ([5]) وقال ابن معصوم في السلافة([6]): (لقد عرف الشيخ البهائي بكثرة اسفاره و تجواله في البلدان الاسلامية، حتى قيل: انه امضى في سياحته ثلاثين عاماً([7]) ثم استبعد السيد مهدي الخرسان ذلك (اي السياحة ثلاثين عاما) ثم ذكر اسفار الشيخ البهائي الى الحرمين ومصر والقدس الشريف ودمشق وحلب وكرك والعراق وايران واصفهان ومشهد وهرات وقزوين وتبريز كل على التوالي([8])

قال السيد علي خان المدني في كتاب الدرجات الرفيعة يذكر فضل (أي الفضل القطب الراوندي)، ان داره محطاً لرُحّال الغرباء ومأوى للرحالة من اقطار العالم ويقصده اهل الفضل من كل فج عميق للاستفادة من الامالي ومروياته (ثم يصفه قائلاً) ساح وجال هذا الشريف الجليل لسماع الحديث والاستفادة عن ارباب الفضل، فهاك اسماء بعض البلاد التي سافرها لتحصيل العلم واملائه واستملائه، مكة المكرمة، المدينة المنورة، النجف الاشرف، كربلاء المقدسة، مشهد الرضا  عليه السلام ، قم المباركة، الري، آبه (آوه)، قزوين، بيهق، (سبزوار)، قومس (دامغان)، شيراز، زنجان، ساوه، ابهر، نيسابور، بغداد، الحلة الفيحاء، وغيرها وحج وزار مشاهد الائمة  عليهم السلام  ومراقدهم مراراً([9]).

وقال السيد محسن الامين عن ضامر المدني يعرّف كتابه ويعرفه: ويظهر من كتابه انه ساح وكتب في سياحته جملة من الانساب([10])، قال المجلسي: كان من شرائع عيسى  (عليه السلام) السياحة في الارض للاطلاع على عجائب قدرة الله وهداية عباد الله والفرار من اعدائه وملاقاة اوليائه، فنسخ ذلك في شرعنا وقد روي، (لا سياحة في الاسلام وسياحة هذه الامة الصيام)([11]).

ويظهر ان المعنى الذي ذهب اليه المجلسي هو الهجران للجمعة والجماعة والا فان الذي ذكره هو من افضل ما يسيح المؤمن من اجله، من الاطلاع على عجائب قدرة الله تعالى والهداية وما الى ذلك. بل ذكر هو عن الميرزا عبد الله بن عيسى الاصفهاني المشهور بالتبريزي الافندي، قال: (كان فاضلاً علامة محققاً متبحراً كثير الحفظ والتتبع، (حتى يقول)، ساح في اقطار الدنيا كثيراً) وبذلك يتبين المعنى المقصود الذي اراده من العبارة السابقة([12]). وكذا قال المجلسي ناقلا عن صاحب كتاب (سلافة العصر) وقد مر ذكره مدح الشهيد الثاني، (وكان قد ساح في الارض وطوى منها الطول والعرض فدخل الحجاز واليمن والهند والعجم والعراق ونظم في ذلك رحلة اودعها من بديع نظمه ما رق وراق)([13]). وكذا قال الحسيني عن بدر الدين الطبري: (من اعلام القرن السابع او الثامن، مشتغل بالنجوم والعلوم الرياضية، متضلع فيها، ساح اطراف العالم ليجد استاذاً كاملاً في هذه العلوم فلم يجد كما صرح بذلك في مقدمة شرحه..)([14]).

ومنهم من قال :

قال الذهبي عن النوري: (وقد ساح النوري الى الشام)([15]).

وقال عن ابي صالح مفلح: (وقد ساح بلبنان في طلب العباد)([16]).

وقال عدي بن صخر الشامي: (ساح سنين كثيرة)([17]).

وقال ابن حجر عن الخضر عليه السلام: (ساح الخضر في الارض)([18]).

وقال خليفة عن محمد الحارثي السرخسي: (ساح اكثر الاقاليم لطلب الحكمة)([19]).

وقال البغدادي عن عفان جلبي بن عبد الله البغدادي: (الشاعر المتخلص بروحي ساح في البلاد)([20]).

وكذا قال عن كوجك امير: (ساح البلاد)([21]).

وكذا قال عن نصرت افندي: (ساح البلاد)([22]).

وقال عن الاصبهاني نور علي شاه: (ساح في اكثر البلاد)([23]).

وقال الياس سركيس عن ابن بطوطة: (ساح في الاقطار الصينية والتترية واواسط افريقية في بلاد السودان وفي الاندلس ثم انقلب الى المغرب)([24]).

ولا يكاد يُخرّج معرّف في مصادر الياس سركيس او هدية العارفين او اكثر كتب تعريف العلماء كالذريعة للطهراني والاعلام للزركلي حتى يمر عليك لفظ سافر، وساح، وتنقل في البلدان فراجع.

يقول محمد هادي الاميني: (فان الرجل الذي ساح البلاد وانتقل في اصقاع الارض وبلادها وبقاعها ووقف على كثير من المعارف والاشياء واحتك بأناس مختلفين يكون اكثر علماً واوسع اطلاعاً من رجل قروي لم يزايل قريته ولم يتعد نظره دائرة ضيقة يظل محصوراً فيها ولا يقوى فكره على اجتياز حدودها ومحيطها)([25]).

وقال القمي عن احمد بن ابي يعقوب الكاتب: (كان رحالة يحب الاسفار، ساح في بلاد الاسلام شرقاً وغرباً ودخل ارمينية سنة 260، ثم رحل الى الهند وعاد الى مصر وبلاد الغرب فالف في سياحته كتاب البلدان وله التاريخ المعروف بالتاريخ اليعقوبي)([26]).

القسم الرابع: العقل

نحن بحاجة لبيان دلالة العقل على اباحة السياحة ومحبوبيتها اذ ان ما تقدم من الادلة يكشف عن ذلك.

والعقل النوعي يرى الشيء بما هو خلياً من الاغيار كثير الفائدة عظيم المنفعة متنوع الخير قليل الضرر او بلا ضرر يذكر، وهو ما يفعله كل عقلاء العالم على اختلاف مذاهبهم ومشاربهم واديانهم بل ومستوياتهم، فيرجحه ويحبب فعله.

…………………………….

[1] ) الشيرواني ، حواشي الشيرواني ، ج2 ص381.

[2] ) الصدوق ، الخصال ، ص 131.

[3] ) لمازندراني ، شرح اصول الكافي ، ج7 ص43.

[4] ) المازندراني ، شرح اصول الكافي ، ج9 ص317.

[5] ) النوري ، مستدرك الوسائل ، ج8 ص240. الطوسي ، الامالي ، ج2 ص3

[6] ) ابن معصوم ، سلافة العصر ص290 كما عن نهاية الدراية للسيد حسن الصدر ص41.

[7] ) الصدر ، نهاية الدراية ، ص41.

[8] ) حسن الصدر ، نهاية الدراية ، ص42

[9] ) قطب الدين الراوندي ، كتاب النوادر ، ص39.

[10] ) ضامن بن شدقم المدني ، الجمل ، ص55.

[11] ) المجلسي ، بحار الانوار ج70 ص345.

[12] ) المجلسي ، بحار الانوار ج102 ص12.

[13] ) المجلسي ، البحار ، ج106 ص162.

[14] ) احمد الحسيني ، تراجم الرجال ج1 ص114.

[15] ) الذهبي ، سير اعلام النبلاء ، ج14 ص70.

[16] ) ن. م ج15 ص85.

[17] ) ن. م ج20 ص342.

[18] ) ابن حجر ، الاصابة ص249.

[19] ) حاجي خليفة ، كشف الظنون ج2 ص1929.

[20] ) اسماعيل البغدادي ، هدية العارفين ج1 ص657.

[21] ) ن. م ج1 ص813.

[22] ) ن. م ج2 ص494.

[23] ) ن. م ج2 ص499.

[24] ) الياس سركيس معجم المطبوعات العربية ج1 ص48.

[25] ) محمد هادي الاميني ، معجم المطبوعات النجفية ص50.

[26] ) الشيخ عباس القمي ، الكنى والالقاب ص296.