القيم على وفق المدارس الإدارية والأهمية

دخلت القيم حيز الدراسة العلمية في مجال الإدارة مع بداية إفرازات الثورة الصناعية، وكان بداية الإهتمام الكبير من قبل الباحثين والمنظرين لتفسير ظواهر المنظمة ووضع أسس السلوك التنظيمي عبر توجهاتهم الفكرية والفلسفية، وإذ تظهر أهميتها من خلال الأفعال والأعمال التي يزاولها الأفراد ومن خلال علاقاتهم وسلوكياتهم وتوجهاتهم، عبر هذا الفكر سيتم التعرف أولاً على القيم عبر أفكار وتوجهات رُواد مدارس الفكر الإداري وثانياً التعرف على أهميتها.

أولا: القيم على وفق المدارس الإدارية

بإطلالة القرن العشرين بدأ توسع كبير في النشاط الإقتصادي وزيادة في التطور التكنولوجي الذي أدى إلى نمو عدد كبير من المنظمات، وكان بداية لبناء الفكر الإداري المنظم وتنظيم العمل الإداري على وفق نظام محدد، فبرزت عدة مدارس فكرية أسهمت في دراسة السلوك الإنساني ومحاولة توجيههُ داخل المنظمات من خلال قيمها التي حُملت بين طياتها فجاءت مدرسة الإدارة العلمية لرائدها Frederic W. Taylor (1917-1856) الذي ركز إهتمامه على إعطاء العمل طابعاً علمياً(82)، مع ملاحظاتهِ بغياب طابع العمل الموحد والمنظم وأن كفاءة العاملين أقل مِمّا يجب(83)، فضلاً عن عدم إتباع الطرائق العلمية لأداء العمل، وبذلك وضعت مدرسة الإدارة العلمية فلسفة عمل مبنية على أُسس عِلمية تتبناها المنظمة وأعضائها للوصول إلى أفضل إنتاجية عبر دراسة الحركة والوقت(84)(85).أنضم لهذه المدرسة الزوجان  Frank & Lillian Gilbreth(1924-1868) وHenry Gantt (1919-1861) وHarington Emerson (1931-1853)(86)، على وفق هذه الفلسفة يمكن أن نَستَشف القيم التي حَملتها المدرسة العلمية والتي تَمثلت بقيم تقسيم العمل وإحترامه، حيث أُعتمِد مبدأ التخصص وأن على العاملين إحترام الأعمال التي يقومون بها من خلال إعطاء قيمة كبيرة للعمل، فضلاً عن قيمة الوقت وإحترامه حيث إهتمت المدرسة بالوقت وَعَدّته مورداً مهماً للمنظمة ومحاولة إستغلاله بشكل كامل في العمل الإنتاجي، ويستدل من فلسفة المدرسة إنها أعطت للقيم المادية أهميه وَعَدّها الحافز الأقوى في العلاقة بين أرباب العمل والعاملين، فضلا عن قيم القانون والتشريع لضبط سير العمل والتزام العاملين وقيم الإخلاص، والإنجاز، والكفاءة في العمل، والإنسجام، والأمانة، والإحترام،والمعرفة، والعدل.

وجاءت المدرسة البيروقراطية ليحدد من خلالها مؤسسها Max Weber (1920-1864) مواصفات المنظمة المثالية حيث إنطلقت أفكاره عبر مفهوم الدولة والسلطة وقوة نفوذها على الأفراد(87)، وذهب بالإتجاه نفسه كل من  Merton(1936) وSelznick (1934) وGouldner (1954)(88). وعبر ما طرحته المدرسة البيروقراطية من سمات الأنموذج المثالي للبيروقراطية، فقد دَلَّت هذه المدرسة على أنها تحمل قيماً معينة تحكم عمل المنظمات تمثلت بقيم السلطة والقانون والتشريع التي تساعد على إنجاز الواجبات بشكلٍ دائم، وإذ جسد لنا أنموذج فيبر المثالي بأنه يستند إلى القيم المجتمعية المتمثلة بقيم النفوذ والقوة التي تخول بعض الموظفين في فرض سلطتهم على العاملين للعمل بكفاءة وعقلانية في مواجهة المشكلات المعقدة، وترى الباحثة أن فلسفة المدرسة تستند إلى قيم الرقابة على الأفراد العاملين وصولا للسلوك الرشيد، والتخصص في العمل والكفاءة والمكانة الإجتماعية والإدارية لذوي السلطة والتنظيم والنجاح.

وبرزت إلى حيز الوجود مدرسة التقسيمات الإدارية التي يطلق عليها مبادئ الإدارة وأشهر روادها مؤسسها Henry Fayol (1925-1841)، فقد تضمنت فلسفة المدرسة في الإهتمام بالعمليات الداخلية للمنظمة وتنظيم مستويات الهيكل التنظيمي وأن كفاءة المنظمة هي إنعكاس لكفاءة المدير، لذلك إهتم رواد هذه النظرية بشكل أساسي بالتنظيم الداخلي للمنظمة على وفق المبادئ الإدارية الأربعة عشر التي صاغها فايول والتي وضعت لتُشَّكل مُرتكزات رئيسة يستند إليها المديرون في أعمالهم(89). ومن أبرز روادها فضلاً عن مؤسسها  Moony & Reily(1931) و Urwick & Guilick (1937)(90)، ومن خلال إستقراء وتحليل المبادئ الأربعة عشر يتبين بأنها تمثل القيم التي إستندت إليها المدرسة والتي تمثلت بقيم تقسم العمل، السلطة، الإنضباط، وحدة القيادة أو السلطة، المركزية، النظام، المساواة، الأستقرار والأستمرار، التسلسل الهرمي، المسؤولية، المبادرة، روح التعاون، التوجيه، المادية. ومن مؤيدي هذه المدرسة أيضاً Oliver Sheldon (1933) الذي عدَّ من الرواد الذين أسهموا بدرجة كبيرة في بلورة وتوضيح علم الإدارة(91)، ويمكن أن نستقرأ عبر فلسفته بأنها قد حملت  قيمة إرضاء الزبون الذي بسببه تتواجد الصناعة لتقدم خدماتها للمجتمع وتحقيق الرفاهية الإجتماعية وقيم التعاون والعدالة والإحترام وأن عملية تنمية الكفاءات تأتي عبر إعطاء الإدارة قيمة أكبر للعلم، فضلاً عن قيمة الإتجاه الذاتي للعاملين، وأوضحت مفاهيمه على ضرورة إمتلاك قيمة المسؤولية تجاه المجتمع.

وبتطور الفكر الإداري فقد تبلورت مدارس فكرية جديدة إتسمت بإتجاهها الإنساني والتي تمثلت بـ مدرسة العلاقات الإنسانية لرائدها Elton Mayo وروثلر برجر ووليم ديكسون ولورنس هندرسون للفترة (1932-1924)، ركزت فلسفة المدرسة على المفهوم الإجتماعي بأن الإنسان كائن إجتماعي وأن الفرد لا يواجه المواقف بصورة منفردة بل بصورة جماعية على وفق العلاقات الإجتماعية التي تربطهم(92). على وفق تلك الفلسفة الإدارية الإنسانية يمكن التوصل إلى مجموعة من القيم التي حملتها جماعات العمل والتي تُحكِم نشاطهم وإتجاههم وإنتاجهم، فضلاً عن تحكمها بالأفراد أنفسهم، وأن هذه القيم التي تعتنقها المجموعة وتؤمن بها ذات تأثير كبير في سلوكياتهم أكبر من الحوافز المادية والمكافآت والتي تمثلت بقيم حب العمل، والإخلاص، والإهتمام بالجماعة، والرغبات الشخصية، وإشباع الحاجات، والذاتية الفردية،وعبر تلك الفلسفة يستدل من بين ثناياها أنها حملت قيم الإتصالات، وتبادل المعلومات بين العاملين ورؤسائهم، والحرية والمشاركة في عملية إتخاذ القرارات، واللامركزية.

وظهرت مدرسة الفلسفة الإدارية لـ D. McGregor الذي طرح نظرية (x وy) لتحليل الإتجاه السلوكي للعاملين وأن التصرفات الإدارية تقوم على فلسفة إدارية معينة(93)، عبر تلك الفلسفة نستنتج أن نظرية (x) قد حملت القيم السلبية التي مثلت قيم (كراهية العمل، تجنب المسؤولية، عدم الرغبة في الطموح، عدم الحرية في العمل)، وحملت نظرية (y) القيم الايجابية التي مثلت قيم (حب العمل، تحمل المسؤولية، المادية، الإبداع)، ومن خلال المقارنة والتحليل يتضح بأن هناك أختلاف في تبني قيم العمل التنظيمية لدى المنظمات في السابق عن منظمات  الوقت الحالي تبعا للمتغيرات الداخلية والخارجية التي تواجهها المنظمة.

وجاءت نظرية التناقض بين الفرد والتنظيم لـ (Argyis) فقد عبرت فلسفة نظريته على أساس وجود أختلاف بين مقومات الفرد ومتطلبات التنظيم وأن هناك متغيرات تحدد أنماط السلوك الفردي داخل المنظمة كما تؤثر في القواعد والتعليمات التنظيمية(94)، بذلك أعطت فلسفة هذه النظرية مؤشرات إستدلالية عن وجود أختلاف في القيم التي يحملها الفرد ومجموعة العمل والتنظيم.

ونتيجة لإسهامات الباحثين في مجال الإدارة أدت إلى تطور الفكر الإداري وظهور مدارس حديثة تتناسب والمتغيرات الحاصلة في طبيعة العمل من جهة والبيئة الخارجية من جهة أخرى، فجاءت فلسفتها بوصف المنظمة نظاما إجتماعياً هادفاً ومن بين التوجهات الحديثة مدرسة النظام التعاوني (1938) لتعبر عن توجهات رائدها Chester Bernard الفلسفية في أن التنظيم يقوم على أساس التعاون الهادف(95). ليعطي بذلك مؤشراً على حمل قيم التعاون، والرغبة في العمل الصادق، والحرية، والإتصالات المفتوحة، وإمتلاك المعلومات الصحيحة، وإحترام الذات.

وعبرت فلسفة مدرسة النظم المفتوحة بأن المنظمة وحده إجتماعية هادفة ومترابطة ومتفاعلة داخلياً بين أجزاء النظام وخارجياً مع المتغيرات البيئية(96). ومن خلال تلك النظرة الفلسفية يمكن إستنتاج القيم التنظيمية التي تمنح المنظمة بقائها وأستمرارها والتي تمثلت بقيم التكامل والشمولية بين أجزاء النظام الواحد، والإتصالات المفتوحة، والمعلومات وجعل المنظمة شبكة من المعلومات المتدفقة التي تمد متخذي القرار في المستويات كافة بالمعلومات التي تساعدهم في إتخاذ القرار السليم إزاء المواقف البيئية.

وأتسمت المدرسة الموقفية بنظرتها إلى أهمية التغيرات التي تحدث في البيئة الخارجية والتي تتسم بعدم الثبات والإستقرار وظهور حالات عدم التأكد وأن تحقيق فاعلية النظام وكفاءته في الأداء يقترن بمدى تكيفها هيكلاً وسلوكاً للمؤثرات البيئية، وأن المواقف والقرارات التنظيمية بحسب طبيعة البيئة التي ترتبط بالمنظمة، ومن أبرز روادها J. Woodword وBurns & Stalker                                وThompson(97). من هنا يتولد إنطباع بأن المدرسة الموقفية حملت قيم التغيير، الإبداع، المعرفة، الإتصالات المفتوحة، الحرية، التعاون بين أجزاء الوحدات التنظيمية، البقاء.

 

وأستندت نظرية (z) اليابانية لرائدها W. Ouchi  على مقومات أفكارها الفلسفية من طبيعة البناء الإجتماعي والثقافي لليابان الذي أكد على الجوانب الإنسانية(98). عبر هذه الرؤيا يمكن التوصل إلى القيم التي حملتها النظرية اليابانية كقيم الثقة، المهارة، المودة، الولاء المطلق لأرباب العمل، التضحية، الفداء، الإبداع، الإبتكار، الأمانة، الإخلاص في العمل، الحرية، المشاركة في إتخاذ القرارات، الشمولية، الإهتمام بالعاملين، الإنتماء، الإتصالات المفتوحة، والعمل الجماعي.