النسيان
جاء في جمهرة اللغة: نسىَ فلان شيئاً كان يذكُره وإنه لنسيٌّ : أي كثير النسيان : والنِّسْيُ :الشيئ المَنْسيُّ الذي لا يُذكَر.
والنسيان ترك الإنسان ضبط ما استودع إما لضعف قلبه، وإما عن غفلة وإما عن قصد حتى ينحذف عن القلب ذكره.
أولا : النسيان الذي هو ضد التذكر : وهذا نوعان
أ- نسيان مذموم : وهو ضعف استرجاع المعلومات والأفكار المخزنة في الذاكرة سلفا وهذا النوع هو الذي سنتناوه بالبحث في هذا الكتاب بعون الله.
ب- نسيان محمود: ومنها نسيان إساءة الناس إلينا ومنها نسيان المصائب والنوائب التي ألمت بنا.
ومنها نسيان التفاهات التي تقابلنا في حياتنا ولا مناص لنا من تجنبها.
والنسيان الذي هو بمعنى الترك ثلاثة أنواع :
أ – منه ما هو مذموم .
كما قال تعالى : {فَذُقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا} أي : يقال للمجرمين ، الذين ملكهم الذل ، وسألوا الرجعة الى الدنيا ، ليستدركوا ما فاتهم ، قد فات وقت الرجوع ولم يبق إلا العذاب، فذوقوا العذاب الأليم ، بما نسيتم لقاء يومكم هذا ، وهذا النسيان نسيان ترك ، أي : بما أعرضتم عنه ، وتركتم العمل له ، وكأنكم غير قادمين عليه ، ولا ملاقيه .
ب – ومنه ما هو محمود.
كنسيان المصائب والكوارث واحتساب الأجر عند الله سبحانه وتعالى وكذلك أيضا نسيان المعاصي التي أصابها العبد وتاب منها فلا يحق ذكر هذه المعاصي لا سيما إذا صاحبه الفخر بالمعصية فهذا خطر عظيم .
ج- ومنه ما عفي عنه .
وهذا ما كان سببه سهوا أصاب الإنسان أو غفلة ألمت به وهذا لا يؤاخذ الإنسان به .
النسيان آفة عظيمة من آفات العلم ومرض خطير فتاك إن لم يتم تداركه بالعلاج الناجع والنسيان بصورة عامة من طبائع البشر ويستحيل أن تجد إنسانا على وجه الأرض معصوم من النسيان .
فالنسيان الذي هو بمعنى الترك يدور مع الأحكام الخمسة فقد يكون حراما وقد يكون مكروها وقد يكون مباحا وقد يكون مستحبا وقد يكون واجبا والنسيان المحرم هو نسيان أوامر الله وترك العم بها كما قال تعالى {فنسوا حظا مما ذكروا به} وهذا النوع يتحمل الإنسان آثاره وتبعاته في الآخرة أما النسيان المكروه فهو ترك أمر مستحب من أوامر الله أما المباح فهو ترك أمر مباح من أوامر الله وأما المستحب فهو ترك ما أمر الشرع بتركه على وجه الكراهة والواجب هو نسيان وترك ما أمر الشارع بتركه على وجه الإلزام .
والنسيان على الصعيد الدنيوي يكون في عدة أشياء أهمها : ( الأسماء – الوجوه – المعلومات – الاتجاهات – مواضع الأشياء – التواريخ – المواعيد – الأفكار – الرسائل ) .
وغالبا ما يقع النسيان في الأشياء التي ذكرت وترجع خطورة النسيان إلى أهمية الشئ المراد تذكره وقد أسلفنا أن أخطر أنواع النسيان على الإطلاق ، نسيان العلم وقد كان السلف رضوان الله عليهم يعدون النسيان وقلة الحفظ طعنا في العالم بل ويحذرون منه فلا بد من وقفة جدية لتدارك هذا الأمر وحصر المشكلة – مشكلة النسيان وجعلها لا تخرج عن دائرة السهو الذي لا مفر منه .