كيف تتعامل مع جيران المقعد أثناء السفر؟

لا شكّ أنّ في كل خطوة من خطوات السّفر حكاية وتجربة غنيّة منذ اتّخاذ القرار بالانطلاق إلى مكانٍ آخر، وبغض النظر عن أسباب الرّحلة ودوافعها، وما أكثر الحكايات التي تنبثق من مُحاولات الحديث مع جيران المقعد الملاصق لنا أثناء الرّحلة، لا سيّما حين نُسافر بمفردنا، أو مع مجموعة فرديّة العدد وقع حظ آخر أفرادها على الجلوس مع شخصٍ غريب عن أفراد العائلة أو مجموعة الأصدقاء والمعارف.

ومن هنا يجدر بك الالتفات إلى ضرورة أن لا يتسبب جلوسك إلى جانب الشخص الآخر بذكرى مستقبليّة مزعجة تصورك كائنًا عديم الإحساس أو الاحترام.

تريّث قبل بدء الحديث

يحكي الرّوائي الكولومبي الحائز على جائزة نوبل إحدى تجارب سفره الواقعيّة عبر سطور أحد مقالاته، قائلاً بأنّ الصدفة جعلت جارة مقعده في الطائرة فتاة رقيقة الملامح، فاستعد لفتح حوارٍ مطوّلٍ معها منتظرًا أن تتمّ جلوسها على مقعدها كي يشرع بالحديث، لكنّها فاجأته بأنّها أعادت مقعدها إلى الوراء، وابتلعت قرصي دواء صغيرين ثمّ تدثرت ببطانيتها وراحت في سباتٍ عميقٍ استمرّ طوال ساعات الرّحلة الطويلة! الأمر الذي فوّت عليه فرصة التطفل عليها ولو بسؤالٍ واحد. ومثل تلك الفتاة عدد كبير من المسافرين الذين لا يروق لهم الحديث مع الغرباء أبدًا، ومنهم من يقبل الحديث بحدود، ومنهم من لا يصدّق سماع كلمة “مرحبا” حتى يشرع بحديثٍ لا نهاية له إلا نهاية الرّحلة مهما طالت!

وتلافيًا للشعور بالإحراج أمام ردود الأفعال الحادة التي قد تحدث عندما لا نحسن اختيار الطريقة الملائمة في بدء الحديث؛ نقدّم لكم بعض النـّصائح التي قد تساعد على إتمام الرّحلة بسلام دون أن يتسلل الشعور بالانزعاج من وجودك إلى جارك:

1- لا تتسرّع بمحاولات بدء الحديث منذ اللحظة الأولى، انتظر إلى حين الاستقرار في مكانه وترتيب أغراضه. فمثل هذا التسرّع قد يتسبب بانطباع سيء تجاهك.

2- بعض النّاس يقدمون إشارات واضحة جدًا بعدم رغبتهم في الحديث مع الغرباء، كأن يضعوا سمّاعات الموسيقى في أذنيهم، أو يُشاهدوا أفلامًا مسجّلة على أقراص مدمجة،  أو يثبتوا حاجبة الضوء على عيونهم بانتظار النوم… إلخ. حين تلاحظ مثل هذه الإشارات فاعلم بأنّ كل محاولة منك للحديث معه تعتبر بالنسبة له محاولة حقيقيّة لإزعاجه حتى وإن لم تفطن أنت لذلك.

3- هناك من لا تسمح لهم مشاغلهم الكثيرة والتزاماتهم المهنيّة التي لا تتركهم في الحل أو الترحال بالثرثرة مع من هب ودب، لهذا تراهم منشغلين فعلاً بتقارير ورقيّة أو متابعة عمل هام عبر حاسبهم الآلي المحمول. حين ترى ذلك اتركهم لعملهم بسلام، وجد لنفسك ما تنشغل به.

4- إذا كانت لغتك الأم تختلف عن لغة جار المقعد، ولم تكن تتقن لغته الثّانية (كالإنجليزيّة مثلاً) إتقانًا قويًا يمكنك من إجراء محادثةٍ سليمة، فلا تحاول التحاذق والدخول عليه يمينا وشمالاً بكلمات متقاطعة لا تحفظ غيرها من تلك اللغة، مدعّمة بحركات يديك ووجهك وفمك في محاولة لإفهامه ما تود قوله قسرًا رغم أن ما تقوله غير ضروري بالفعل! اعلم أنّك بهذه الطريقة تقدّم انطباعًا شيّئا بشعًا عنك، وعن أسلوب تربيتك، وعن مجتمعك، وعن بلدك، وربّما عن الأمّة العربيّة بأكملها.

5- لا تبدأ محاولاتك للحديث بسؤال. ابدأ أوّلا بتحيّة قصيرة ترافقها ابتسامة رقيقة غير مُفتعلة، ثمّ اشرع بتعليقٍ عام؛ عن أحوال الطقس على سبيل المثال. فإذا لاحظت أنّ جارك متأهبٌ للحديث معك، فاسترسل، أما إن لاحظت برودًا واضحًا؛ فتوقف على الفور ولا تحاول معاودة الكرّة.

6- اختر دومًا الحديث في مواضيع وقضايا عامّة، وابتعد عن الأسئلة أو المواضيع الشخصيّة مهما كان نوعها، لئلا تكون فريسةً لسوء ظن الطرف الآخر. وأفضل حديث متشعب يمكنك الخوض فيه هو البلد أو المدينة التي تتوجهان إليها معا؛ أجواؤها، سكّانها، معالمها السياحيّة، فنادقها…إلخ. ولأنّ الحديث ذو شجون، سيجرفكما هذا الحديث إلى مقارنات وأحاديث أخرى عامّة طريفة وممتعة دون تخطيط.

7- هناك نوع آخر من المسافرين يهوى الحديث في شؤونه الخاصّة، وأدق همومه الشخصيّة وتفاصيل حياته المهنيّة والعائليّة دون أن تسأله عن ذلك، ومنهم من يجد فيك كنزًا كشخصٍ غريب يستطيع أن يشاركه همومه ويقدم له النصح من بعيد دون أن يراه مستقبلاً. حاول أن تكون شخصًا منصتا ودودًا مع هؤلاء، واحرص بعدها على كتمان أسرار النّاس.

8- تجنّب الحديث في شؤون العقائد، أو الأديان، أو السّياسات في أيّ مكان، لأنّ مثل تلك الأحاديث قد تجرّ إلى خلافات غير محمودة العواقب. احتفظ بمعلوماتك الشخصيّة في تلك المجالات لنفسك، وإذا أردت الاستزادة فعليك بالبحث الفردي أو سؤال المتخصصين أو أصدقائك القدامى، بعيدا عن توريط رفاق السفر وإزعاج الغرباء بمثل تلك القضايا.

9- بعض الناس يجدون في جيران السفر الغرباء فريسة دسمة لترويج أفكارهم الخاصّة أو منتجاتهم التجاريّة. لا تكُن من هؤلاء. فتوزيع المنشورات الدينيّة والدعويّة، والتسويق لمنتج الشركة التي تعمل فيها بغرض اقتناص زبون ليس مكانه وسيلة السفر كالطائرة أو الحافلة. هذا الأسلوب سيفقدك الكثير من احترام جارك، وسيتخلّص من المطبوعات التي قدمتها له ومن بطاقة العمل الخاصة بك فور مفارقتك، وإذا كانت له نيّة مسبقة في التعامل مع الجهة التي تعمل معها فسينصرف عنها تمامًا بسببك. لكن لا مانع من الحديث باختصار عن طبيعة عملك في تلك المجالات إن سئلت عنها، وإن لاحظت اهتمامًا من الطرف الآخر ورغبةً واضحة في سماع المزيد فاسترسل، وإلا فلا.

10- لا تحاول إحراج جارك بطلب رقم هاتفه أو وسائل التواصل معه بغرض استغلاله ليُساعدك في رحلتك، ما لم يبادر هو بعرض مساعداته عليك.

11- تجنّب تناول أي أدوية أو مشروبات مغيّبة للوعي من ذاك النوع الذي يجعلك غير قادر على السيطرة على أفعالك، أو الهذيان بألفاظ وأصوات لا يجوز أن تصدر من الأشخاص الأسوياء قبل الرّحلة بـ 24 ساعة على أقل تقدير.

 

في الختام، تقبّل منّا أجمل الأماني برحلةٍ مريحة ممتعة، وأحاديث تجمع بين المعلومة المفيدة والطرفة الشهيّة مع جيران رحلتك.