لُحمة العراق وانتصار الأهوار

      لم أقرأ يوماً أن للتأريخ حقيقة غير الحقيقة التي يكتبها العراقيون بحبر الدم. فهل رأيتم شعباً يذبح بسكين الطائفية للدين الواحد، ويقتل الأبناء بحسبانية المذهب والدين … فترى نفسك تسير صباحاً في عاصمة السلام التي يمتد بنائها الى أكثر من عشر قرون، تسير وسط أكداس من الجثث والقتل… وفجأة تتوحد السيوف تحت ظلال العراق بانتصار كرة القدم. فترى الشعب يقبل أحدهم الآخر دون التفات للدين والمذهب والطائفة والقومية ليقول الجميع: أنا عراقي.

      ويميل بك العجب بصورته الأخرى، حين يعيد بعض المرتزقة الذي وجدوا في غرب العراق ملاذاً آمناً للذبح والنهب والاغتصاب تحت حماية دول البادية والبداوة. فتأتيك صواعق التفجير في الكرادة أو مدينة الصدر أو الشعب أو… لتكون شموعاً توقد في مواقع الانفجار من الوحدة والتضامن والتآلف بوشاح بيرغ العراق. فعجباً كل العجب … يذبحوك ياعراق وتحيا متضامناً، ويفتكون بك فتلتئم متآصراً، فنراك عُصبة واحدة على الرغم أن التكفيريين عثّوا في أرضك فساداً، فأباحوا دمك … وأعلنوا اغتصاب المرأة جهاداً للنكاح، ورضاع النساء حلالاً، والذبح سنَتهم … والخ من عجائب القوم المفسدين.

     واليوم للانتصار معنىً آخر، وبلون غير لون الدم، وبوجه شمسي غير اللون الأحمر، وبوشاح عراقيّ غير وشاح السواد بلافتات النعي والحزن. فانتصر العراقيون مرة أخرى بتسجيل أهوار جنوبه وتاريخهم في منظمة اليونسكو العالمية في منتصف تموز، ليتزامن من انتصار العراقيين بعلم الديمقراطية ووداع عهود الملكية في تموز أيضاً.

   فهنيئاً لسكان الأهوار هذا الانتصار، فهم الذين ينتمون الى أعرق العشائر العربية الملتزمة بالعادات والتقاليد العربية الأصيلة من الكرم والشجاعة والغيرة والشهامة، ويتفاخرون بها في أشعارهم وأحاديثهم. وهم يعيشون نمطاً من الحياة تتحكم فيه المياه بالكامل، ويقتاتون الأسماك التي يصطادونها بـ(الفالة)، ويأكلون الخبر المصنوع من الأرز، ويشربون حليب الجاموس. وشيّدوا بيوتهم من القصب والبردي فقط، ويتنقلون بقوارب. ويتسابقون لجعل بيوتهم مضيفاً ومحل إقامة المسافرون والمارون.

 

      فهنيئاً لسكان الأهوار هذا الانتصار… وهنيئاً لكِ يا لُحمة الوطن هذا الانتصار.