العوامل الاساسية لتقوية الذاكرة وعلاج النسيان

العوامل الاساسية لتقوية الذاكرة وعلاج النسيان

هذه العوامل تلعب دوراً هاماً في تقوية الذاكرة وعلاج النسيان :

أولا : تقوى الله جل وعلا : كعامل في علاج النسيان وتقوية الذاكرة :

يقول الأصفهاني في مفردات غريب القرآن : التقوى لغة من مادة وقى والوقاية هي حفظ الشئ مما يؤذيه ويضره يقال وقيت الشئ واقية وقاية ووقاء قال تعالى {فَوَقَاهُمُ اللهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ} وقال تعالى : { وَوَقَاهُمْ عَذّابَ الجَحِيمِ}.
والتقوى جعل النف في وقاية مما يخاف ، هذا تحقيقه ، وصار التقوى في تعارف الشرع حفظ النفس عما يؤثر وذلك بترك المحظور ويتم ذلك بترك بعض المباحات وذلك للحديث الصحيح “الحلال بين والحرام بين ..” الحديث .

والتقوى بمفهوم شامل: هي فعل المأمور واجتناب المحظو .

وقد يسأل سائل ما العلاقة بين تقوى الله وقوة التذكر ؟

أقول: هناك علاقة وثيقة بين تقوى الله جل وعلا وقوة الذاكرة فكلما كان الإنسان أتقى لله كلما كان أقوى ذاكرة وأرشد فهما وأشد حفظا وأقل نسيانا والدليل على ذلك قول الله تعالى : { وَاتَّقُوا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ واللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلِيمٌ} .

ويقول الشوكاني في تفسير هذه الآية :

واتقوا الله في فعل ما أمركم به وترك ما نهاكم عنه ويعلمكم الله ما تحتاجون إليه من العلم وفيه الوعد لمن اتقاه أن يعلمه .


ثانياً: ذكر الله تعالى ودوره ومدى اثره في تقوية الذاكرة وعلاج النسيان .
والله تعالى يقول {وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} ولعل كون ذكر الله تعالى من أعظم المسببات للحفظ من ثلاث جهات :

(الأولى ) من حيث صلة بالله تعالى، ومن زاد وصله بالله نال العون من الله تعالى والقوة، وكان الشيطان عنه أبعد، وهو من أعظم من يشاغب على ابن آدم بالنسيان كما صنع مع صاحب موسى عليه السلام فأنساه الحوت قال تعالى : {قَالَ أَرَأَيْتَ إَذْ أَوَيْنَا إلى الصَّخْرَةِ فَإِنَّي نَسَيتُ الحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلاَّ الشَّيْطَانُ أَنْ أَّْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا}، والشيطان هو الذي أنسى السجين ذكر يوسف عليه السلام لعزيز مصر وبهذا فلا يطرد الشيطان شيئ أقوى من ذكر الله تعالى.

(الثانية) وكذلك ذكر الله سبب لقوة الحفظ وقلة النسيان من جهة كونه سبب رئيسي لطمأنينة النفس ، قال تعالى: {الَّذِين آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ الله أَلاَ بِذِكْرِ الله تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} ، والنفس المطمئنة متأهلة لرسوخ الحفظ ، وثبات العلم ، أما إذا كانت مشغولة الحال ، مذبذبة الأحوال ، فإن الحفظ عليها ثقيل ، ولهذا فإن عادة الحذاق إذا أرادوا الحفظ يقتنصون أهدأ الأوقات وأبعدها عن الضجيج ، وزحام الناس وأصواتهم ، وأفضل ما يكون ذلك ساعات السحر ، وبعد صلاة الفجر ، وكل وقت أو مكان يسود فيه الهدوء .

(الثالثة) أيضا الذكر يكون به القوة البدنية، ونشاط القلوب وقوته ، وهذا ما يحتاجه طالب العلم، ومبتغي مداومة الحرص على الحفظ والطلب ، قال تعالى : { وَيَا قَوْم اسْتَغْفِروا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إلى قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ} ، فالاستغفار يزيد من القوة ، وقصة علي بن أبي طالب وزوجه فاطمة رضي الله عنهما وطلبها للخادم وصية الرسول صلى الله عليه وسلم لهم بأن يسبحان الله ثلاثاً وثلاثين، ويحمدانه ثلاثاً وثلاثين، ويكبرانه أربعاً وثلاثين وقال بأنه خير لهما من خادم ، وذلك لأن هذا الذكر يزيد من قوتهم .

 

ثالثاً : الحب والرغبة ومدى فاعليتها في تقوية الذاكرة و علاج النسيان.

لتعلم أخي القارئ الكريم أن الحب والرغبة والشغف من العوامل المهمة التي تؤثر بالسلب والإيجاب في علاج النسيان وقوة التذكر فكلما كنت محبا لما تقرأ وتحفظ وكلما كنت به شغوفا كلما كنت له أذكر وأفهم والعكس صحيح فالشخص الذي يمل من شئ ويكرهه فما أسهل أن ينساه ولذلك هناك بعض المواد الجامعية قد لا تثير في الطالب الحب والرغبة فتكون هذه المادة من الصعوبة بحيث تجعل الطالب ينساها بسهولة وهذا مشاهد ملموس وقد يقول قائل لا سبيل لحفظ هذه المواد الصعبة التي لا نجد في أنفسنا شوقاً إليها وهنا يكون من الصعوبة أن نتذكرها ومن السهل نسيانها فما السبيل لعدم نسيان هذه المادة أقول : إذا كان عامل التذكر لهذه المادة غير متوفر في المادة نفسها فلماذا لا توجده أنت من نفسك نعم تجعل عامل الحب نابع منك أنت وفي هذا المعنى يقول أحد الكتاب (لا يستطيع أي شخص أن يصبح متعلماً حقييًا بدون أن يكون قد خاض بعض الدراسات التي لا تثير شغفه حيث يكون جزءًا ثم العملية التعليمية أن نتعلم كيف نعود أنفسنا على الاهتمام بالمواد التي لا توجد عندنا قابلية لدراستها .

ولذلك نقول ما الفرق بين طالب العلم والمثقف ؟

* المثقف يأخذ ما يحلو له من العلوم وما يستطيع أن يفهمه دون الرجوع إلى مراجع أخرى ويترك ما يصعب عليه فهمه من العلوم ويترك ما لا يحبه أيضًا وإذا أشكل عليه فهم أمر من الأمور فإنه يتركه ولا يجهد نفسه في تعلمه وفهمه .

أما طالب العلم على استعداد دائم أن يقابل ما لا يثير شغفه وعلى استعداد أن يتعلمه ويفهمه جيدًا لا حبًا في الشئ ذاته ولكن حبا للهدف الأسمى والأعظم الذي يسعى إلى تحقيقة .

رابعاً: وجود الدافع التي تساعد الشخص في تقوية الذاكرة و علاج النسيان .

والدافع هو الشعور الداخلي الذي يدفعك دائما لتحقيق أهدافك .

ولكي نتصور هذا المعنى جليا إليكم هذا الموقف : ذهب أحد الشباب لأحد الحكماء ليتعلم سر النجاح فقال الحكيم بهدوء : هو الدوافع … فسأله ومن أين تأتي الدوافع فقال من رغباتك المشتغلة فسأله فكيف يكون عندي رغبات مشتغلة .. فأحضر الحكيم إناء به ماء وسأل الشاب هل أنت متأكد من أنك تريد أن تعرف مصدر الرغبات المشتعلة فأجابه الشاب بلهفة : طبعًا .. فطلب منه الحكيم أن يقترب من الماء وينظر فيه وفجأة ضغط الحكيم بكلتا يديه على رأس الشاب ووضعها في الإناء ومرت ثواني ولم يتحرك الشاب ثم بدأ ببطء يخرج رأسه من الماء ولما بدأ يشعر بالاختناق بدأ يقاوم بشدة حتى نجح في تخليص نفسه وأخرج نفسه من الماء ثم نظر إلى الحكيم بغضب وسأله ما هذا الذي فعله ؟ فرد عليه قائلاً : في الثواني الأولى أردت أن تخلص نفسك وكانت دوافعك ضعيفة فلم تنجح وبعد ذلك زاد دوافعك فاستطعت تخليص نفسك عندما امتلكمت رغبة مشتغلة لتخليص نفسك ثم أضاف الحيكم عندما يكون لديك الرغبة المشتغلة في النجاح فلن يستطيع أحد إيقافك) .

خامساً : الانتباه ودوره في تقوية الذاكرة وعلاج النسيان .

والانتباه يعتبر من أهم عوامل التذكر وهو من أنجح الأدوية في علاج النسيان ونحن لا نتصور أبدأ أن يوجد إنسان غافلا طوال الوقت ولكن الناس درجات فهناك المنتبه الواعي وهناك الغافل الذاهل والانتباه فن مهم  جدا يجب تعلمه وعدم إغفاله ولذلك يقول أحد علماء النفس (فن الانتباه هو الفن الحقيقي الذي تمارسه الذاكرة ) .
والانتباه هو تخلية الفكر عن طل الشواغل حتى ولو كانت تافهة وقد أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم لهذه الأمر فقد روى مسلم وغيره عَن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم (من توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى الجمعة فاستمع وأنصت غُفِرَ له ما بينه وبين الجمعة وزيادة ثلاثة أيام ومن مس الحصى فقد لغا ومن فوائد هذا الحديث أن الاستماع والإنصات شرط لحصول المغفرة وهل الاستماع والإنصات إلا صورتان من صور الانتباه كذلك يشير الحديث إلى أن مجرد مس الحصا يفسد الانتباه ومن ثم يحدث اللغو والحديث صريح في الحث على الانتباه ومنع كل الشواغل التي تفسده حتى لو كان شيئًا تافهًا مثل مس الحصى.

سادساً : الانتباه ودوره في تقوية الذاكرة وعلاج النسيان .

ومن الأمور التي يظهر فيها اهمية الانتباه :

1- العبادة: فلا شك أن الانتباه في العبادة أمر خطير ولا يمكن تجاهله والغافل في عبادته لا يحصل خيرا وقد جاء في أثر عن ابن عابس أنه قال (ليس للمرء من صلاته إلا ما عقل) فالمصلي يكتب له أجر الصلاة على قدر انتباهه فيها بل وليس هذا في السلاة فحسب بل في كل صور العبادة سواء كان ذكرا أو دعاء أو غير ذلك ففي سنن الترمذي بإسناد حسن عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة واعلموا أن الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاه ) . وهذا الحديث صريح في أن عمل الغافل غير مقبول بتركه الانتباه .
2- طلب العلم : ونقصد بطب العلم هنا ليس العلم الشرعي فحسب بل كل العلوم فالطالب في مدرسته لا بد أن يكون منتبها لكلام أستاذه والطالب في جامعته لا بد أن يكون منتبها لما يقوله أستاذه كذلك طالب العلم الشرعي لا بد أن يكون منتبها لما يقوله شيخه وعلى استعداد دائم أن يدون كل فائدة يسمعها. .
3- الحياة اليومية والاجتماعية : لا شك أن الإنسان المنتبه يصنع لنفسه شخصية اجتماعية مرموقة فعلى سبيل المثال إذا لم تكن منتبها لمحدثك وهو يتحدث معك فسوف يشعر بانزعاج شديد لشعوره بعدم اهتمامك به ولذلك فإن من هدي النبي صلى الله عليه وسلم عند الاستماع لمحدثه أن يقبل عليه بجسده  كله ويركز في كلامه وينظر إلى وجهه ويظهر اهتمامه الكامل بالشخص الذي يتحدث معه ولا يقاطعه في كلامه وهذه الأفعال لها مفعول السحر في التأثير على الناس ويستطيع الإنسان من خلال الانتباه أ، يصنع رصيداً إيجابيا من حب الناس الأمر الذي يؤدي إلى التأثير فيهم ، ولا شك أن الشخصية المؤثرة شخصية ناجحة بكل المقاييس .

والآن هذا تمرين يكشف مدى قدرة الانتباه لدينا :

وهذا التمرين ذكرته صاحة كيف تقوي ذاكرتك وتنشطها تقول (من فضلك إقرأ السطور التالية باهتمام وانتباه (أنت قوم الآن بقيادة إحدى سيارات الأوتوبيس وتحمل معك خمسين راكبا وفي الطريق توقفت السيارة مرة ونزل عشرة من الركاب بينما ركب ثلاثة أفراد وفي المحطة الأولى نزل سبعة أفراد وصعد اثنان ثم توقفت السيارة مرتين في المرة الأولى نزل أربعة من الركاب وصعد ثلاثة أفراد من المحطة التالية وبسبب عطل فني في السيارة توقفت وكان بعض الركاب في عجلة من أمهم نزل ثمانية منهم بعد ما تم إصلاح العطل ووصلت السيارة إلى المحطة الأخيرة نزل باقي الركاب) .