العولمة

: العولمة :

 
 

 

 

       ليست فكرة العولمة جديدة على الفكر الإنساني ، إلا أن الإختلاف في صيغتها المطروحة حالياً التي تؤكد على بُعد الزمان وتلغي بُعد المكان ، محاولةً بذلك إلغاء الجغرافيا على الرغم من أن الجغرافيا هي أحد ثوابت التاريخ ، وهي الأحدث في نظرتها.

       أن مفهوم العولمة الذي أصبح متداولاً في السنوات الأخيرة هو مصطلح قياسي يشمل كل مجالات الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية ويقابلها باللغة الإنكليزية (Globalisation)(3) .

         وتعني العولمة اقتصادياً “إندماج أسواق العالم في حقول إنتقال السلع والخدمات والرساميل

والقوى العاملة ضمن إطار من رأسمالية حرية الأسواق بحيث تصبح سوقاً واحدة كسوق قومية”(4) ، وهي ظاهرة بدأت منذ منتصف الثمانينيات وكان من أبرز مظاهرها النمو السريع في تدفقات رؤوس الأموال والتجارة الدولية وزيادة أهمية الخدمات في كل من التجارة والاستثمار الأجنبي المباشر،وتكامل عمليات الإنتاج على الصعيد العالمي، وتنسيق سياسات التجارة والاستثمار على الصعيد المؤسسي بين البلدان وفق أنظمة المؤسـسات متعددة الأطراف ومنظمـة التجارة العالمية والتجمعات الأقليمية(1).

       ومنذ تسعينيات القرن الماضي أخذت منحى آخر هو تقليص دور الدولة وإلغاء الحواجز السياسية والاقتصادية والثقافية، وحلت الشركات المتعددة الجنسيات محل الدولة القومية(2).

       فالاقتصاد المعولم هو أوسع من كونه مجرد اقتصاد دولي يحترم سيادة الدولة ويجعلها جزءاً من كل ، بل هو يدعو إلى إندماج الأجزاء ضمن الاقتصاد العالمي ، ومن ثم ضعف رقابة الدولة والمس في سماتها الوطنية ، فهي تعمل على الإندماج التام لأسواق العالم في ميادين التجارة والاستثمارات المباشرة وحركة رؤوس الأموال والقوى العاملة والثقافات ومن ثم خضوع نشاط الدول الداخلي لقوى السوق العالمية مما يؤدي إلى إختراق الحدود القومية(3) .

       لقد أصبحت العولمة العامل الأبرز الذي يحكم العلاقات في عالم اليوم وخاصة العلاقات الاقتصادية ، ساعد في ذلك التطورات التكنلوجية السريعة والكبيرة التي مكنت من تجاوز العقبات التي كانت تعيق المبادلات ، وشملت تلك التطورات النقل بشكل عام والنقل الجوي بشكل خاص الذي مكَن من شحن المواد المختلفة بما فيها أدوات الأنتاج (المصانع) إلى أي نقطة في العالم بهدف إنتقاء مواقع الإنتاج على أساس ما تتيحه من تخفيف للتكاليف أو على أساس قربها من الأسواق التي تصَدر لها المواد ، وبذلك تكون العولمة في جوهرها مسلسل يهدف إلى توحيد العالم في كافة الميادين وخاصة في الميادين الاقتصادية من خلال تمهيد الطريق أمام الشركات العالمية الكبرى للاستثمار في دول العالم المختلفة والتحرر من القيود ومن رقابة الحكومات الوطنية ، وقد ساعد في ذلك إنهيار مبادئ وقيم كانت تحتمي بها بعض الأمم والمجتمعات في تيار العولمة وبالذات الإتحاد السوفيتي وأوربا الشرقية والصين ، إذ شهدت هذه المجتمعات المهمة والشاسعة سكانياً واقتصادياً إنهيار أسوارها التي كانت تتحصن خلفها ضد تيار العولمة ، ومن أبرز مظاهر العولمة هي(4):-

1 . الزيادة الكبيرة في درجة تنوع السلع والخدمات التي يجري تبادلها بين الأمم وتنوع مجالات   الاستثمار في العقود الأربعة الماضية .

2 . إرتفاع نسبة السكان في غالبية دول العالم ، الأمر الذي أدى إلى زيادة التفاعل مع العالم الخارجي والتأثر به .

3 . عدم اقتصار التبادل على السلع ورؤوس الأموال في العلاقات بين الدول وتوسعه ليشمل التبادل في المعلومات والأفكار وبشكل مستقل عن التجارة الدولية وحركة رؤوس الأموال ، فأصبح الناس في أي جزء من العالم معرضين للتأثر في أفكارهم ومعلوماتهم من مصدر ثابت لا ينتقل من مكانه يبث الأفكار والمعلومات دون الحاجة إلى نقل سلع أو نقل رأسمال .

4 . لم يعد دور الشركات المتعددة الجنسية  يمثل العلاقة بين الدول الاستعمارية بالدول المستعمرة ، إذ توسع نطاق هذه الشركات ليشمل العالم بأسره .

5 . التغير الملحوظ في دور الدولة في العقود الثلاثة الأخيرة ، إذ تضاءل هذا الدور وأنكمش إستجابة لمتطلبات إتساع السوق الآخذة في التوسع .

       لقد أسهمت العولمة سواء كانت في الإنتاج ، أو الاستهلاك ، أو المالية في انفتاح الأسواق واندماجها ، وتقليص دور الدولة ، وفي تنسيق سياسات التجارة والاستثمار مما أدى إلى زيادة الإعتماد الاقتصادي المتبادل بين الدول وتشجيع الاستثمار الأجنبي المباشر، كما أسهمت في إحداث تغيير في هيكل الاستثمار الأجنبي المباشر خاصة في هيكل الإنتاج المفضل بالنسبة للشركات المتعددة الجنسية ، فبعد أن كان هيكل الإنتاج الأفقي هو الشكل المفضل لهذه الشركات ، أصبح في ظل التوجه العالمي الجديد نحو إجراء المزيد من سياسات تحرير الاستثمار الأجنبي المباشر والتقدم والانتشار التكنلوجي السريع ، وإنخفاض تكاليف النقل والإتصالات ، وزيادة عدد التكتلات الاقتصادية (الأسواق الأقليمية) ، أصبح الهيكل المفضل هو هيكل الإنتاج الرأسي ، وضمنه تقوم الشركات متعددة الجنسية بإحتكار جزء كبير من مراحل الإنتاج من المادة الأولية إلى المادة النهائية وبما يمكَنها من الحصول على إمتيازات اقتصادية خاصة والاستفادة من أسعار التبادل بين مختلف الوحدات المكونة للمشروع(1).

 

 



(3)  حلام الجيلالي :”العولمة والهوية الثقافية” ، فعاليات الملتقى الدولي (الجزائر والعولمة) ، جامعة منتوري قسنطينة ، قسم علم الاجتماع ، 22-23 نوفمبر 1999 ، ص 112 .

(4)  محمد الأطرش :”تحيد الإتجاه نحو العولمة الاقتصادية” ، مركز دراسات الوحدة العربية ، بيروت ، العدد 260 ، 10/ 2000 ، ص 29 .

(1)  للمزيد أنظر : الأونكتاد :”تقرير البلدان الأقل نمواً 1996″ ، مصدر سابق .

     بول هيرست – جراهام تومبسون :”مُساءلة العولمة- الاقتصاد الدولي وإمكانات التحكم”،ترجمة إبراهيم فتحي،المكتب الأعلى للثقافة،1998.

(2)  د. بلعيد بعلوج :”الأثار المترتبة على الاستثمارات المباشرة للشركات المتعددة الجنسيات في ظل العولمة” ، بحث منشور في  مجلة العلوم الأنسانية / جامعة محمد خيضر بسكره ، العدد الثالث ، أكتوبر 2002 ، ص 56 .

(3)  د. جمال داود سلمان :”أنعكاسات العولمة على الاقتصاد النامية” ، بحث منشور في مجلة العلوم الاقتصادية ، كلية الإدارة والاقتصاد /الجامعة المستنصرية ، بغداد ، المجلد الثاني ، العدد (6) ، 2005 ، ص 1 .

(4)  إبراهيم سعد الدين وآخرون :”العرب والتحديات الاقتصادية العالمية”، مؤسسة عبد الحميد شومان، عمان – الأردن ،1999، ص 69-70.

(1)  P. S. Andersen & P. Hainant :”Foreign Direct Investment & Employment in the Industrial Countries”, (BIS Working Paper) , No.(b1) , 1998 , p. 7-8 .